اعمدة طريق الشعب

دواء.. غلاء.. شفاء! / د. سلام يوسف

من المعقول او المقبول ان تشتري إحدى السلع المعمرة من الأسواق المحلية بسعر مرتفع على أساس أنها أصلية أو (ع البلاد)، وحينما تقتنيها فأنت واثق من تلبيتها لاحتياجك أو أنها تلبي طموحك في امتلاكها دون التفكير في إرسالها الى المصلح بين حين و أخر، خصوصاً الكهربائية منها.
ولكن ليس من المعقول، بل من غير المفهوم أن تشتري دواء سعره مرتفع ولا يجعلك تشعر بالفارق في حالتك الصحية، فترمي ذلك الدواء وتذهب الى طبيب آخر ليصف لك علاجا أخر (عسى) ان (تمشي) الأمور !
ما يحصل في الكثير من الحالات أن المريض بعد أن ينهي مراحل الكشف والتحاليل والتشخيص، المتعبة والمهلكة له ولعائلته، سواء بالأموال أو التعب أو الوقت فأنه سيواجه معضلة جديدة، الا وهي أسعار الأدوية والعلاجات المرتفعة، المنفلتة، غير الخاضعة لرقابة الدولة والمتقاطعة مع المفاهيم العامة التي وردت في نصوص الدستور والتي ترمي الى الاهتمام بصحة المواطن ورعايتها. فالدستور لم يمنع التجارة، ولم يمنع مزاولة المهن المختلفة بما فيها مهنة الطب بمختلف أوجهها التشخيصية والعلاجية، الفردية أو الجماعية، ولكن في الوقت نفسه، الدستور يؤكد على رعاية المواطن وحماية حقوقه ومصالحة الصحية والمعيشية.
وحتى في العرف المجتمعي والتاريخي والديني لا يوجد ما يمنع التكسب والربح، ولكن بحدود. فليس من المعقول أن تصل نسبة الربح الى 100 أو 200 في المائة ! و ليت الأسعار التي تتداولها الصيدليات تأتيك بنتيجة ايجابية، فكثيرة جداً تلك الأدوية التي لا تغير شيئا في حالة المريض الصحية نحو الاحسن.
المواطن يشتري الدواء الذي وصفه له الطبيب ويفاجأ بالأسعار المرتفعة، ويقبلها على مضض أملاً في أن تتحسن حالته. الصيدلي صرّف بضاعته واسترجع فلوسه (و فوكاها) ربح، ولكن من الذي يعيد صحة المريض الذي لم يغير من حالته ذلك الدواء وربما تسوء أكثر؟ وسيدخل في دوامة: من المسؤول؟ هل الدواء أم الطبيب أم التشخيص أم مَنْ؟ البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة !
نحن هنا في منطقة الشرق الاوسط وتحديداً في المنطقة العربية وفي العراق خصوصاً طغت الروح التجارية على العمل الإنساني في مهنة الطب وهي من أكثر أنواع التجارة طلباً في السوق، سوق الأمراض، عززها الواقع الصحي المتراجع والوضع البيئي المتردي، على العكس من ما يجري في الغرب، صحيح هم يتعاملون ببطء مع أكثر الحالات (وهي ليست طارئة)، لكنهم يعطون لكل ذي حقٍ حقه.
فبحكم الغلاء هل تحقق بفضل هذا الدواء .. شفاء ؟ انه استغلال كبير يتعرض له المريض العراقي، بل ويصل حد التلاعب بمقدراته، للأسف الشديد. والثغرات التي ينفذ منها المخادعون هي غياب قانون حماية المستهلك وأميّة المواطن بحقوقه واستغفال الناس من قبل السماسرة وشيوع المفاهيم الغيبية ...الخ، بل وحتى منظمات المجتمع المدني التي من المفترض ان تتبنى المصالح والحقوق العليا للمواطنين نجدها قد غابت عن المشهد.
لقد أدركت المجتمعات الأوربية والأمريكية خطورة عبث السوق المنفلت بحياة الناس والمجتمعات التي تحكمها قوانين النظام الرأسمالي المجحف، فلجأت الى التأمين الصحي لتخفف عن كاهل مواطنيها جراء الضغط الذي تفرضه شركات انتاج الادوية وفق مفهومها الاقتصادي الاستثماري الربحي، بل وتعددت أشكال ضوابط حماية المستهلك.
للأسف الشديد أصبح مريضنا أحد وسائل تجربة الأدوية والعلاجات، تجربة مدفوعة الثمن من جيبه اضافة الى مرضه ومعاناته!