اعمدة طريق الشعب

من يحمي التنوع في مجتمعنا ؟ / محمد عبد الرحمن

اثار قانون موارد البلديات الذي اقره مجلس النواب مؤخرا طائفة من القضايا الاشكالية ، وهي كانت موجودة ولم تحسم خلال مسيرة الـ 13 سنة الماضية ، بل ربما اضيفت اليها قضايا جديدة ترتبط كلها ببناء الدولة ومأسستها .
ان من العبث تماما عدم النظر الى ابعد من القراءة المباشرة لتلك المادة، التي تتحدث عن حظر بيع وتصنيع واستيراد المشروبات الروحية، وقال عنها رئيس مجلس النواب لاحقا ، بعد موجة ردود الفعل عليها ، بانها غير مدروسة على نحو كاف من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. فاذا كان الامر كذلك، فلماذا جرى تمريرها ؟!
لقد اثار هذا القانون قضايا قديمة جديدة، لها صلة بدور مجلس النواب وآلية التصويت فيه والمزاجية التي تصاحب ذلك. فمرة يكون التصويت برفع الايدي ، واخرى عبر التصويت السري ، فيما جرى التخلي غير المفهوم عن آلية التصويت الالكتروني. من الذي يقرر ذلك ياترى؟ ولماذا توافق هيئة الرئاسة على ادراج مادة من دون مناقشتها في القراءتين الاولى والثانية؟ بل واضاف نواب قائلين انه حتى لم تجر عملية عد للاصوات عند التصويت، وانما حسمت المسألة على طريقة الحكم في الايام « السعيدية « عندما كانت تصدر الاحكام « من ابو عكال لابو سدارة « .
على ان هناك من القضايا الهامة ما يتعلق بمدى استيعاب النواب لروح الدستور، وابعاد مواده عن التفسير الضيق الاناني على حساب مصلحة البلد العليا وضرورة تماسك وحدته الوطنية ونسيجه الاجتماعي . ويبدو غريبا ، في ضوء تمرير هذه المادة وغيرها، عدم ادراك الترابط الوثيق بين فقرات المادة ( 2) / اولا من الدستور. فصياغتها بالطريقة التي هي عليها عكست الهواجس وعدم الثقة السائدة عند اعداد الدستور، فيما الداني والقاصي يعرف ان اجواء عدم الثقة قد كبرت الان وتضخمت بعض جوانبها .
واثار هذا القانون من جديد قضية « الاغلبية « « والاقلية «. وخطورة هذه القضية جسيمة عندما تكون الاغلبية ، كما هو حاصل عندنا ، غير مبنية على اساس البرامج والتوجهات السياسية والمواطنة العراقية الجامعة ، بل في العموم على قاعدة انتماء طائفي محدد . فهل يحق لمثل هذه الاغلبية التصرف واتخاذ ما تراه على نحو مطلق من دون قيود ، ومن دون اعتبار للاخرين ، ووفقا لتفسيرها هي لمواد الدستور وروحه ؟ من يحمي اذن حقوق الاقلية، ومن يراعي مصالحها ويدافع عنها ؟ وهل يحق للاغلبية التي وصلت عبر آليات دستورية محددة ان تنقلب على الدستور لاحقا ؟ وان الفرق كبير وشاسع بالتأكيد بين الانقلاب على الدستور والتفسير الاعتباطي لمواده من ناحية ، وبين تعديل الدستور وفقا لما تضمنه هو من آليات .
ومن المفترض ان تنسجم اولويات مجلس النواب مع ما تريده الناس وتتطلع اليه ، باعتبار ان اعضاءه ممثلين عنهم ! فهل هذا القانون ، بما تضمنه من مادة مثيرة للجدل، يدخل ضمن الاولويات؟ ولمصلحة من اثارة شقاق في وقت تخوض فيه بلادنا معركتها الوطنية ضد الارهاب وداعش, وفيما تطرح مشاريع مصالحة وطنية ومجتمعية ، ومشاريع لـ « التسوية التاريخية « تحسبا لما بعد داعش، الفترة التي يقول الكل عنها انها ستكون مختلفة.
ان دوافع القلق تعود الى ما هو ابعد من هذه المادة، فهو يتعلق بالقضم التدريجي للحريات وتقزيم الديمقراطية وافراغ مؤسساتها من وظائفها، وجعلها هياكل تتحكم فيها الاهواء والمصالح والرغبات ، بل وحتى السلاح . انه قلق جدي على سلامة بناء الدولة وقدرتها على حماية التنوع والتعددية في مجتمعنا عمليا لا بالكلام المعسول ، وان تكون هذه الدولة وعاء يتسع لجميع العراقيين ، كما هم عليه ، لا كما يتصورهم ويتخيلهم البعض، ويريد تحقيق تصوره بالقسر والاكراه وبمختلف الوسائل ، بما فيها البرلمان .