اعمدة طريق الشعب

سيميزيولوجيا / قيس قاسم العجرش

العنوان لا يشجع على القراءة! والناس كفّت منذ وقت طويل عن ملاحقة مثل هذه المُصطلحات، خاصة تلك التي يتحفنا بها الأذكياء الأتقياء من ساستنا مع كل موسم.
مع ذلك، أدعوهم الى متابعة النسخة العراقية من هذا العلم!
و(السيميزيولوجيا) هو ذلك الفرع من علم اللغات الذي يتعامل مع الكلمات والمفاهيم الدالّة عليها، أي انه علم التسمية في اللغة، وكيفية التسمية، والطريقة التي تطوّرت بها التسمية لتدل على مفهوم معيّن.
لكنه علم مُختلف عليه عراقياً! نعم هذا واضح، فالبرلمان على سبيل المثال(وهو ممثل الشعب كما يصفه الدستور) اختلف في هذا المفهوم مؤخراً، وصار ممثلاً لإرادة الكتل السياسية، برؤوسها وكلهم رؤوس، كما حدّثنا علي الشرقي عن مزرعة البصل التي كلها رؤوس. مع هذا، فالجموع التي بُحّت أصواتها وهي تنادي بمحاسبة الفاسدين (وهذه قيلت بكلمات عربية فصيحة) لم تحصل على شيء. لكن المفهوم الدلالي، وعلم التسمية جعلا البرلمان يسمّي هذه الخطوة الأخيرة انها صفحة من صفحات الإصلاح! إذن، نحن نشير الى التراب فيسميه ماءً، ونشير الى الماء فيسميه تراباً! هذا باختصار ما يجري عملياً.
كيف يا ترى ترون ما فعلتموه من اقرار للحسابات الختامية على انه اصلاح!.
هل فات الوقت على تدريس كتل الرؤوس البرلمانية مفاهيم الأسماء التي ينطق بها الشعب؟ هل هم بحاجة الى كورسات دراسية في السيميزيولوجيا!.
أظن أن الأمر أبعد من تحويلة في التسمية و المسمى، فهم أخبر الناس بمعرفة مواطن الفساد، وأوسع الناس علماً بما يعنيه تصديق الحسابات الختامية، وهي عملية اسمها الحقيقي (دفن) الفساد. واعتباراً من اللحظة التي صادق فيها البرلمان على الحسابات الختامية لسنوات الشفط واللفط الماضية، صار لدينا فساد تاريخي (بمعنى أننا سنجد حكاياته في التاريخ فقط)!
أما أزمة مصطلح (تكنوقراط) فقد أنتهت حرفياً بتراجع رئيس الوزراء عن مطلبه بالتغيير الوزاري، وأكتفى بتغيير الوزراء لوزارات الصف الثاني، بينما أبقى (كما فعل سلفه بالضبط) على منصبي وزيري الداخلية والدفاع شاغرين، وأحالهما (أيضاً كما فعل سلفه) بالوكالة بعيداً عن الأضواء الى اثنين من ثقاته! دون أن يلتفت الى شرط حيازة ثقة البرلمان الذي تحدّث عنه الدستور. هذا اشتباك آخر في المعاني بين مطالب الناس في تعيين وزراء متخصصين (يعني لديهم خارطة طريق ورؤية للتنمية) بينما فسّرتها الطبقة المسؤولة على انها (تغيير) اشخاص وكفى!
ان فكرة تعليم الطبقة السياسية دلالات المعاني، ومفاهيم الشعارات التي تنادي بها الجماهير المحتجّة، ليست بالفكرة البطرة. وستجدون هناك حاجة لها دائماً، طالما أن هناك دائماً من يفهم الكلام بالمقلوب.