اعمدة طريق الشعب

لقد فتحتم ابواب الفساد..! / د. سلام يوسف

كلما مر يوم اخر من ايام حكام السياسة الطائفية الأثنية، كلما سقطت ورقة اخرى من اوراق التوت لتكشف عن سوء ادارتهم وفشلها، ولعل ربط منح وتجديد الاجازة الصحية لأصحاب المطاعم والفنادق والأسواق والمعامل وصالونات الحلاقة والأفران وكل ما له علاقة بصحة المواطن والمجتمع، بالمحاسبة الضريبية ودائرة الضمان الاجتماعي، واحد من اصرخ الامثلة على سوء تلك الإدارة حيث ضربت مثالاً عالمياً على اصرار دولة المنطقة الخضراء في فتح ابواب الفساد على مصاريعها !
في السابق كانت مؤسسات الرقابة الصحية التابعة لوزارة الصحة تمنح او تجدد الأجازة الصحية وفق معايير ضمان توفر الشروط الصحية المطلوبة في هذا المطعم او ذاك الفندق، في هذه الاسواق او محلات الجزارة تلك ..الخ ولكن حينما اقدم مجلس الوزراء بموجب قراره المرقم (164 لسنة 2015) وكتاب الامانة العامة لمجلس الوزراء/الدائرة القانونية المرقم 26915 في 24/8/2015، على اشتراط ربط منح الاجازة الصحية بـ (براءة ذمة ذوي تلك المحلات والمهن من ضريبة الدخل وبيان موقفهم من الضمان الاجتماعي)، جعل الموضوع في غاية التعقيد بل وفسح المجال واسعاً امام الانفلات الصحي وفقدان المتابعة والمراقبة الصحية المطلوبة. الرقابة الصحية لها زيارة شهرية دورية الى كل تلك العناوين التي لها علاقة بصحة المواطن، ولما كانت الاجازة الصحية سواء بمنحها او تجديدها واحدة من اهم الاوراق الثبوتية التي يبحث عنها المراقب الصحي وهي الرابط الاصولي في العلاقة بين الرقابة الصحية وبين ذوي المهن المختلفة، وحينما لا يتمكن صاحب الشأن من الحصول على الإجازة الصحية أو تجديدها بسبب تلك الإجراءات، فبالتأكيد سيحصل تلكؤ في العمل وسيحصل ما لا تحمد عقباه في انفلات الضوابط الصحية وضياع معايير تطبيق النظام والقانون الصحيين، بل وان مفهوم الرقابة الصحية سيُفرغ من محتواه الطبي الصحي المجتمعي الى مهمات ادارية ليس للرقابة الصحية فيها لا ناقة ولا جمل.
إن الاصرار على اتباع قرار مجلس الوزراء آنف الذكر سيفتح ابواب الفساد جميعاً وبكل الطرائق الخبيثة وسيكون عاملاً (مشرعناً) في فتح تلك الابواب بل خلق وسائل فنية جديدة في ممارسة الفساد.
فما يخص جانب الرقابة الصحية، سيضطر المراقب الصحي الى غض النظر عن عدم تجديد او منح الاجازة الصحية او التهاون مع المعني وبشتى المبررات، وهذا الى حدٍ ما محدود لأن تأريخ الاجازة او عدم وجودها خاضع الى ضوابط، ولكن المصيبة الكبرى في الدائرتين الأخريتين (الهيأة العامة للضرائب ودائرة الضمان الاجتماعي)، حينما تأخذ المساومات مجراها وابسطها تأخير منح براءة الذمة لصاحب المحل او المكلف المعني.
إن هذه المساومات والتسويفات تفتح كل ابواب الفساد الموصدة بوجه الحق والضمير والإخلاص والنزاهة لتكون ظاهرة اضافية من مظاهر فشل ادارة البلاد بموجب قرارات غير مدروسة، ولم يكن لإصدار قرار كهذا الاّ من باب تعظيم موارد الدولة التي عانت النهب الممنهج!
نعم للدولة حق في فرض الضرائب والتي نأمل ان تكون تصاعدية وفق المداخيل، وأن عدم التحاسب الضريبي هو بسبب غياب ثقافة المواطنة بشكلها العام، لكن حل هذه الاشكالية لا يجوز عن طريق استخدام وسيلة تضر بصحة المجتمع وتعود بالكوارث البيئية والصحية على البلاد اكثر مما هي غارقة فيه.
ان ايجاد حل وسط يضمن حق الاطراف مجتمعة هو السبيل الامثل في الوقت الحاضر، حل يضمن حق الرقابة الصحية السليمة لإنتاج مخرجات تتحلى بالحد الادنى الايجابي من واقع صحي لخير المجتمع، وكذلك يضمن الحق العام من خلال الضريبة وكذلك يضمن حق العاملين في المهن المختلفة بموجب اجراءات الضمان الاجتماعي ونرى ان غلق كافة الابواب والشبابيك والوسائط بوجه التلاعب والفساد هو ما يجب ان يسود في العلاقة الثلاثية هذه وذلك بإبراز وصل المراجعة الى الضريبة والضمان بدلاً من انتظار كشف الضمان الذي يستغرق شهوراً وبدلاً من اجراءات الضريبة وتعقيداتها.