اعمدة طريق الشعب

السفير الامريكي يشكرنا / ابراهيم الخياط

أوائل هذه السنة 2016، وفي يوم 29 كانون الثاني بالضبط، نشرت سفارة امريكا في بغداد على صفحتها في الفيسبوك أن السفير ستيوارت جونز حضر في اليوم السابق في فندق بابل، حفل اعلان توقيع مشروع «خطة زيادة الطاقة الكهربائية» بين وزارة الكهرباء وشركة الطاقة العملاقة (هكذا) الامريكية جنرال الكتريك.
وجاء في نصّ بيان السفارة: «سوف لن تقتصر مهمة المشروع على ادامة وزيادة الكهرباء في العراق بحوالي 700 ميغاواط في فترة الذروة في الصيف فقط، بل ستتضمن – أيضا – حصول العراق على أعلى قدرة لتوليد الكهرباء المتوفرة في جميع أنحاء العالم)!
طبعا تبخرت هذه البشرى، وصار الكلام كله همبلة في همبلة، لأنه لحد الآن ونحن في الخريف المعتدل الجميل، والكهرباء تنقطع باستمرار وبإصرار.
وفي اشارة تثير الضحك اضاف البيان: «في تعليقه على المشروع الذي تقدّر قيمته بأكثر من ٣٢٨ مليون دولار، شكر السفير الامريكي ستيوارت جونز وزير الكهرباء المهندس قاسم الفهداوي على تحقيق هذا المشروع».
وعلى طريقة الماسنجر أكتب: «هههههه»، فيا ترى مَن الأجدر بشكر مَن؟ فهل نحن زوّدنا أمريكا بالكهرباء حتى تشكرنا؟ والله، صدك.. عجيب امور غريب قضية.
وهنا يتحول الضحك الى أسى مرير، لا سيما عندما نعرف بأن الجبّارة امريكا التي جرى تدمير كهربائنا أمام أنظارها يوم كانت قواتها الجرّارة حاسمة وكانت الكلمة كلمتها أو في الاقل مسموعة في العراق، وجاءت الان بكل حنانها لإصلاح الكهرباء وبأجر ممنون لا يذكّرنا الّا بتلك الأقصوصة المبذولة المعروفة وبطلها السائح الثريّ الذي قدم الى مدينة شبه مهجورة، مدينة عليلة تئن من ظروفها الاقتصادية والأمنية المتردية، وكلّ ناسها في الحقل والمحجر والوظيفة والبيت غارقون في الديون، ويعيشون على الهواء والاقتراض والوهم.
يأتي صاحبنا السائح الثريّ الى المدينة، ويدخل فندقها الوحيد فيضع ورقة خضراء ذات الـ ١٠٠ دولار على كاونتر الاستقبال ويذهب لتفقد الغرف لاختيار واحدة تناسبه.
يستغل موظف الاستقبال الفرصة فيأخذ الورقة الخضراء ويذهب سريعا الى الجزار ليدفع دينه، والجزار يفرح بالورقة ويسرع الى تاجر الماشية ليدفع بقية مستحقاته عليه، وتاجر الماشية بدوره يأخذ الورقة الخضراء ويذهب بها هرولة الى تاجر العلف لتسديد ديونه، وتاجر العلف يذهب بأقصى سرعة الى سائق الشاحنة الذي أحضر العلف من بلدة بعيدة لتسديد ما بذمته من مستحقات متأخرة، وسائق الشاحنة يركض كالطلقة الى فندق المدينة ويعطي ورقة المائة دولار الى موظف الاستقبال إيّاه مسددا مستحقات حساب غرفته التي يسكنها عند قدومه من بلدته البعيدة.
موظف الاستقبال يتسلم الورقة الخضراء ويضعها مرة أخرى مكانها على الكاونتر فينزل صاحبنا السائح الثريّ متبرما إذ لم تعجبه أية غرفة، فيمدّ يده ويأخذ ورقته ثم يغادر المدينة ويترك أهلها فرحين وجلين بعد ان سدد الجميع ديونهم ولكن لا أحد منهم كسب أيّ شيء.
ههههههههههه.. هكذا تدير أمريكا اقتصاديات العالم؟