اعمدة طريق الشعب

التسول قد يدفع نحو الإرهاب! / هيمن فخر الدين

ما ان تتجول في شارع او سوق في بغداد حتى يصادفك عدد من المتسولين، رجال ونساء وصبية وأطفال في عمر الزهور، وكل يتقرب إليك بطريقته الخاصة. رب سائل يسأل: ما السبب وراء هذا الظهور الملفت لهذه الشريحة من المواطنين في شوارعنا واسواقنا؟ هل هو الفقر المادي ام هو خلل بنيوي اجتماعي واقتصادي يعاني منه البلد؟
لقد اصبح التسول ظاهرة يمتهنها الكثير من المواطنين ولأسباب مختلفة، وان كان العوز هو المبرر الذي يغلب على الظاهرة، الا اننا نرى انها اصبحت مهنة يستسهلها المواطن ولا يجد تبعات تترتب عليها، في الوقت الذي تدر عليه مبالغ من المال يحسده عليها الكثير من الموظفين والعمال!
واذا ما عدنا الى الاسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الظاهرة السلبية، نجد ان الخراب الذي حل بالمجتمع العراقي اقتصاديا واجتماعيا هو من يغذي هذه الظاهرة.
ان ما جرته الحروب المتواصلة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وما جرى للدولة من انهيار شبه كامل لمؤسساتها بعيد سقوط النظام السابق، وظهور الارهاب بابشع صوره في المرحلة اللاحقة، وما نتج عنه من قتل وتدمير غاية في البشاعة كان حصيلته آلاف الضحايا والمشردين، فارتفعت اعداد اليتامى والارامل والمعاقين الى نسب غير مسبوقة، كذلك اللاجئين الذين هجروا من مدنهم بعد ان دخلتها داعش ونكلت بهم بكل وحشية, اضافة الى تردي الوضع الاقتصادي في اعقاب هبوط اسعار النفط وفشل الحكومة في تحريك عجلة الاقتصاد، بعد ان اهملت تأهيل الصناعة، وبعد تراجع الزراعة امام المنتج المستورد وفشل الحكومة في تنشيط ودعم الاستثمار من خلال القوانين المشجعة والبيئة المناسبة. كل ذلك ادى الى تقلص فرص العمل وارتفاع نسب البطالة الى مستويات عالية. ولما كان الجوع والحرمان لا يرحم، كان واحدا من الخيارات الصعبة امام العوائل التي لم يعد لديها المعيل الذي يوفر لها لقمة العيش، اللجوء الى التسول، في الوقت الذي تقف فيه الحكومة عاجزة عن ايجاد الطرق والوسائل التي تحمي المواطن من الوصول الى هذا الخيار، الذي يفقده الكثير من انسانيته، ويثلم كرامته ويجعله عرضة لإغراءات قوى الارهاب والظلام، التي تستخدمه لاغراضها الاجرامية بمجرد أن توفر له بعض المال!