اعمدة طريق الشعب

أنا الغنيُّ وأموالي المواعيدُ ..!/ عبد السادة البصري

تذكّرتُ عجز هذا البيت الشعري للشاعر المتنبي ، بعد سؤال استطلاعٍ وجهه لي الصديق الدكتور أحمد الزبيدي لإحدى الصحف حول تقييم الواقع الثقافي لعام 2016 ، حيث جالت في خاطري حكايات وحكايات عن مهرجاناتٍ تألقت ثم تلاشت وانطفأت بعد ذلك لتقبع في ركن منسيٍ من ذاكرتنا الثقافية. وأنا أكتب إجابتي على السؤال جرى حديث عبر الماسنجر بيني وبين الزميل طه الزرباطي رئيس اتحاد أدباء وكتاب واسط عن مهرجان المتنبي المزمع إقامته أواخر الشهر الجاري فشعرتُ بحسرةٍ وغصةٍ في حديثه حول الميزانية المالية وماتمّ تخصيصه من مبلغٍ وطموحات الواسطيين بإقامة مهرجان يليق بالمتنبي علماً شعرياً وبواسط ليسمو بالشعر والشعراء في الأيام الواسطية هذه. أخذنا الحديث حول المربد وكيفية التخطيط له من ميزانية مالية وأسماء ووفود أجنبية وعربية وعراقية والبرنامج الذي يطمح بتقديمه كل أدباء البصرة والعراق كي يكون مربداً يليق بتأريخه والإرث الثقافي الكبير للبصرة بشكل خاص والعراق بشكل عام ..وفي كل كلمة ننطقها كانت الآهات والحسرات تسبق حروفها ، فالطموح كبيرٌ وسامٍ والواقع فقيرٌ ومؤلم من حيث التخصيصات المالية التي تقدمها وزارة الثقافة لهكذا مهرجانات وعدم اهتمام المسؤولين مركزياً ومحلياً بمدى أهميتها ثقافياً وإعلاميا والسعي لإظهارها بالمظهر الذي يعكس العمق الحضاري والمعرفي والفني للعراق ومبدعيه ويعطي الصورة الحقيقية للآخرين بأن العراقيين صنّاع حضارة وعشّاق جمالٍ وحياة .
والتفاتة سريعة الى سنواتٍ خلت نجد ان مهرجانات سطعت مثل (الحبّوبي في الناصرية ،عالم الشعر في النجف الاشرف ،قصيدة النثر في البصرة ،الشعر العربي في بغداد ،الجواهري ،الكميت في ميسان ......الخ) إضافة الى ملتقيات أثبتت حضورها ونجاحها في الساحة الثقافية قد تلاشت وتوقفت لانعدام الدعم المالي وعدم الاهتمام والتفكير الجدي بتفعيلها والارتقاء بها.!
واستقراء سريع لما تقدمه بعض المدن العربية والأجنبية من صورة رائعة في إقامة مهرجاناتها الثقافية والفنية والرياضية يجعلنا نقف أمام سببٍ واحد ألا وهو إن أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال إضافة الى المعنيين بالثقافة والفن من المسؤولين في هذه المدن هم الذين يسعون لإقامتها بالدعم المادي والمعنوي وإنجاحها يوماً بعد آخر ، فمهرجانات دبي والشارقة وأبو ظبي والقرين في الكويت والجنادرية في السعودية وصلالة في عُمان وجرش في الأردن وغيرها من مهرجانات مدن المغرب العربي أيضا يدعمها رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات المعنية إضافة الى وزارة الثقافة والإعلام في تلك المدن لأنهم يعرفون حق المعرفة إنها ستعكس الصورة الحضارية والإبداعية المشعّة لمدنهم وتجلب الزائرين والسيّاح ورجال الأعمال وتعطي للآخرين معنىً كبيراً عن اهتمام المسؤولين وكل أبناء هذه المدن بالثقافة والجمال، لهذا أتمنى أن يلتفت أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال والمسؤولون في الحكومة المركزية والمحلية في البصرة وواسط وميسان وكركوك والنجف وبغداد وغيرها من مدن العراق الى أهمية دعم الثقافة وتمويل هكذا مهرجانات لا أن يتركوا المثقفين والمعنيين بالإبداع وهمومه يواجهون التعب والمواعيد العرقوبية التي تتركهم في دوّامة الدوران بين هذه الوزارة وتلك، وهذه المؤسسة وتلك وتتعب أياديهم من طرق أبواب المسؤولين وألسنتهم من الكلام عن الإبداع في مجالات الفن والأدب والتاريخ وأهميته لهذا وذاك، من دون جدوى حقيقية وانتباه جدّي ومثمر .