اعمدة طريق الشعب

هل ولدت التسوية السياسية ميتة؟ / مرتضى عبد الحميد

في تصريح ملفت، وتشخيص دقيق إلى حد كبير، أشارت النيابية الوطنية، إلى أنها (التسوية السياسية) تعاملت مع الشعب العراقي، على أساس المكونات الطائفية، ولذلك ولدت ميتة.
فالمشروع اساساً قُدم باسم التحالف الوطني، على الرغم من الاختلافات العميقة، والثقوب الكثيرة في جسم التحالف، وصدق من قال: ان ترتيب البيت الداخلي للتحالف، يحتاج أكثر من غيره، إلى تسوية سياسية، ومصالحة مجتمعية، قبل الانطلاق الى الفضاء الأرحب، في عراقنا المتشظي، والمهدد بالانفراط في أعز وأثمن حلقاته الوطنية.
منذ عام (2006) ومشاريع المصالحة الوطنية ومؤتمراتها، تترى تباعاً، دون ان يبخل مطلقوها برصد عشرات الملايين من الدولارات لعقدها والتبشير بها، وبمرور الوقت تحولت هي ايضا الى بؤرة جديدة، من بؤر الفساد المالي والاداري وكانت تقترن في كثير من الاحيان، وتتزامن مع الانتخابات البرلمانية، او انتخابات مجالس المحافظات، والمبادرة الاخيرة ليست استثناءً.
ان السبب الرئيسي في فشل مشاريع المصالحة الوطنية على كثرتها، هي أنها لا تريد ان تغادر أس البلاء والخراب والمآسي التي حلت في العراق، واستبدلت العالم بالجاهل، والنزيه بالمرتشي، والكفء بعديم الكفاءة أو المزور لشهادته الدراسية، ونعني بها المحاصصة الطائفية- الاثنية، وظلت تدور في ذات السياق التدميري، يقابلها الطرف الآخر، بحديث مضلل، ودجل لا يخفى على اللبيب، عن ضرورة تحقيق ما يسمى بـ «التوازن» والمقصود به طبعاً المحافظة على الطائفية السياسية، والمحاصصة والاستمرار في نهب الدولة، وسرقة المال العام، والانتقال من فشل إلى اخر، اشد هولاً وأكثر ضرراً.
ان من يريد القيام بتسوية تاريخية حقيقية، وتجنيب شعبنا بطوائفه وأديانه وقومياته المختلفة، مزيداً من الويلات والكوارث، لاسيما بعد الانتهاء من «داعش» وإرهابها، فالمعركة والصراعات ستكون هناك على أشدها، عليه ان يوفر أولا الأجواء الملائمة للتسوية والمصالحة، ولو في حدودها الدنيا، عبر التوقف عن الشحن الطائفي والتعصب القومي، وما يتصل بهما من حروب إعلامية دونكيشوتية وصراعات عبثية، والقيام بدعم وإسناد قواتنا المسلحة الباسلة بحق وحقيق، بعيداً عن المزايدات السياسية، ومحاربة الفساد والمفسدين، وخاصة الحيتان منهم، بصدق وجدية وتوفير الخدمات الضرورية للعيش الكريم، واحترام إرادة العراقيين بتشريع القوانين التي تضمن حقهم في انتخاب من يكون موضع ثقتهم، وصيانة حرية التعبير وسائر الحريات العامة والشخصية، والمحافظة على استقلال القضاء، والتخلي كلياً عن الاستقواء بالأجنبي، سواء كان عربياً او اقليمياً او دولياً.
كما ان الحرص على نجاح اية مبادرة للمصالحة، سيما تلك التي توضع تحت عنوان المواطنة ودولة المؤسسات، والعابرة للطائفية وكل الهويات الفرعية، ينبغي لها ان تقترن اقتراناً لا انفصام فيه، بإشراك جميع المعنيين في صياغتها، ومناقشة بنودها، وتخليصها من العموميات والانشائيات، ووضع آليات عمل ممكنة التطبيق، ومقنعة للآخرين قبل طرحها في وسائل الأعلام،
وعلى الرأي العام الشعبي ليقول رأيه فيها، والا ستظل بصرف النظر عن النوايا، كريشة في مهب الريح، وستنطفأ بأسرع مما يتوقعه اصحابها.