اعمدة طريق الشعب

هل من بشائر في السنة الجديدة؟ / مرتضى عبد الحميد

في البلدان الرأسمالية المتطورة، وغير المتطورة، بل حتى في الانظمة الدكتاتورية يظل التخفيف من التوترات الاجتماعية، احد الهواجس الرئيسة للحاكم، لأنه يدرك جيداً، ان تراكم السخط والغضب الجماهيري، سيفضي لا محالة الى رد فعل نوعي، يتجسد عادة في الانتفاضة او الثورة، او حدوث اعمال عنف هو في غنى عنها.
ولهذا يعمد الى تقديم بعض التنازلات السياسية والاقتصادية- الاجتماعية بين آونة واخرى، قد لا تزيد على الفُتات، لكنها تؤدي الى حد ما الهدف المضمر منها وتضعف او تؤجل الانفجار الجماهيري الى حين. كما انها تكشف عن مستوى الذكاء الذي يتمتع به الحاكم.
بيد ان الوضع في العراق، استقر منذ زمن بعيد على الطرف النقيض من هذه المعادلة، فترى الحكام والمسؤولين يتبارون في الاصرار على الحاق الأذى بالشعب العراقي، والانتقال به من مرحلة سيئة الى ما هو أسوأ منها، ليثبتوا من جديد انهم والذكاء السياسي في عداء مزمن، فضلا عن غياب الوطنية والنزاهة والكرامة الشخصية. وإلا كيف نفسّر حجم العداء الذي قابلوا به رزمة الاصلاحات المعلنة من رئيس الوزراء، او من مجلس النواب على محدوديتها وضآلتها.
لقد تصرف جميع منزوعي الذكاء من المتنفذين، بطريقة قربتهم كثيراً، من حالة الانتحار السياسي، فشنوا هجوماً مضاداً، ارادوا به ايقاف عجلة التغيير والاصلاح، الآتية رغم انوفهم طال الزمن ام قصر، وعمدوا الى سلسلة من الممارسات المشينة، وقوانين شرعت على وفق نهج جديد، عنوانه الاغلبية، والمقصود بها الاغلبية العددية الطائفية، وليست السياسية كما هو الحال في برلمانات الدول الاخرى، ويجري التمهيد لبعضها الآخر باطلاق بالونات اختبار اعلامية لكي تأخذ طريقها الى التنفيذ بعد ذلك، بصرف النظر عن قبول جماهير الشعب بها، ومن ابرزها في الفترة الاخيرة، واكثرها إيغالاً في تشويه العملية السياسية، وتوسيع نطاق الخراب والدمار، التهديد بانشاء مليشيات جديدة، كأن الموجود منها غير كافٍ، وحسم الخلافات والصراعات العبثية بالقوة والعنف، وكذلك السعي إلى تشريع قانون العشائر، والعمل الحثيث لتعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات، بالقسمة على (7، 1 او 9، 1) من نظام « سانت ليغو « الانتخابي، لضمان استحواذهم المطلق على هذه المجالس، بعد ان أحكموا قبضتهم على مجلس النواب، وبالتالي حرمان الكتل والقوى السياسية الاصغر، او التي لا تملك شيئاً من المال الحرام، من تمثيل جماهيرها الواسعة جدا في الحكومات المحلية.
فهل تحمل السنة الجديدة، التي تستبشر بها كل شعوب الارض، أملا للعراقيين بتغيير هذا النهج المأساوي؟ وهل هناك امكانية لتخلي المتنفذين، المتشبثين بمواقعهم الى حد اللعنة، ولو جزئياً عن قصر النظر السياسي، ولا نقول الغباء السياسي.
ان الضمان الفعلي لتحقيق هذا الامل والطموح، يرتبط ارتباطاً لا انفصام فيه بالحراك الجماهيري، وسبل الحفاظ على مدنيته وسلميته، واتساع دائرة المشاركين فيه بحيث يتحول الى تظاهرات مليونية، تكون قادرة فعلا على كنس كل المعادين للشعب العراقي ووضعهم في المكان الذي يستحقونه.
ان الابطال المشاركين في الحراك الجماهيري منذ ما يزيد على السنة ونصف يمثلون خلاصة الحكمة الشعبية، والاصرار الثوري لانقاذ الحاضر من عبث العابثين، وبناء المستقبل السعيد لشعبهم ووطنهم.