اعمدة طريق الشعب

احداث جامعة واسط .. قراءة اخرى / محمد عبد الرحمن

ما حصل في جامعة واسط لم يكن من دون مقدمات ، كما انه ليس مقطوع الصلة بما يجري من تطورات في المجتمع ، بغض النظر عما اذا كانت الاحداث مهيئة مسبقا وقد حركت بفعل فاعل « مندس « ، ام انها جاءت عفوية . لكنه اكد ان الجامعات لا يمكن عزلها باسوار صينية، وان شعار « ابعاد الجامعات عن السياسة « يمزق كل يوم منذ عهد نوري السعيد حتى الآن.
فالطلبة يأتون الى الجامعات من كل حدب وصوب ، من مختلف العوائل في محافظات الوطن، وبعضها بالقطع مشمول حتى بالرعاية الاجتماعية الشحيحة ، او هي ضمن نسبة الـ 35 بالمئة الذين يعيشون تحت خط الفقر او الى جواره. والطلبة يقضون اوقاتا طويلة مع تلك العوائل ويعرفون كل ما يجري فيها وحولها ، وهم ليسوا معزولين عن الشرائح الاجتماعية المختلفة، ولا عما يمور به المجتمع من توجهات سياسية. لذا فمن العبث الطلب منهم الانكفاء على الدراسة وحسب ، وهو ما لم يتحقق سابقا ولن يتحقق في اي زمان ومكان. والقائلون بذلك يعرفون قبل غيرهم هذه الحقيقة ، وخصوصا من درس منهم في جامعات اوربا وامريكا .
اما اذا كان الحديث يدور حول استقلالية الجامعات ، فالسؤال هنا هو: الاستقلال عن من؟ وما هو المقصود به؟ ونحن بادئ ذي بدء لا نرى ما يجمع بين رفع شعار استقلالية الجامعة وتكميم افواه الطلبة ومصادرة حقهم في التعبير عن آرائهم بطرق حضارية وسلمية.
ان من يقول باستقلالية الجامعات العراقية ، ونحن معه من حيث المبدأ ، عليه ان يعمل اولا على :
*ابعاد التعيينات في الجامعات، وخاصة رئاساتها ، عن شرط الانتماء الى هذه الطرف المتنفذ او ذاك ، او على الاقل الكف عن مطالبة من يتم تعيينهم بابداء الولاء .
*تحريم دخول المسلحين الى الجامعات تحت اية ذريعة او حجة. فهل هذا متحقق الآن ، ام الحقيقة هي انه حتى حراس بعض الجامعات ينتمون الى مجموعة مسلحة معينة ؟ والجامعات اصلا يفترض ان توصد ابوابها امام كل جماعات مليشياوية .
*وقف اقامة الفعاليات والنشاطات التي لا تجسد روح المواطنة العراقية ، ووضع حد لمنع بعض الفعاليات مقابل تشجيع وتبني بعض آخر، وبتسهيلات ملفتة.
وقبل القاء اللوم على الطلبة من اي طرف ، يتوجب على الحكومة ورئاستها ، ووزارة التعليم العالي ، الاجابة عن التساؤلات الآتية وغيرها الكثير : لماذا لم تصرف منحة الطلبة في جميع الجامعات حتى الان؟ وهل يحق للطلبة المطالبة بها ام لا ؟ وهل يحق لهم الاحتجاج على الفساد المستشري في الجامعات ، شأن بقية مؤسسات الدولة ، ام لا ؟ وهل يحق لهم المطالبة بتطوير المناهج وتوفير مستلزمات الدراسة ام لا؟ وهل يحق لهم المطالبة بضمان مستقبلهم وتأمين الموقع الوظيفي المناسب كي يمارسوا اختصاصاتهم ويعيلوا اسرهم التي تنتظر بفارغ الصبر تخرجهم ؟
ان هناك الكثير الكثير مما يدفع الطلبة الى الاحتجاج والتظاهر والاعتصام ، ولعل الهاجس الاساس للآلاف منهم هو خوفهم من ان يحسبوا ضمن جيوش العاطلين عن العمل بعد تخرجهم. وارتباطا بهذا يدرك الطلبة ان مصيرهم لا يرتبط فقط بالجامعة، بل بمجمل سياسات الدولة وخططها واداء المسؤولين فيها ، ومن هنا جاءت الاصوات الطلابية الرافضة للمسؤولين في الدولة ايا كانت اسماؤهم ومواقعهم ، وهو ما يمكن ان يحصل في اي مكان الان !
ونختم بالقول ان حق الطلبة وغيرهم من فئات وشرائح المجتمع الاخرى في الاحتجاج والتظاهر، حق مشروع ودستوري. وحتى يتعود المسؤولون عندنا على قبول ذلك، ويتقبلوا رؤية انفسهم يضربون، احيانا، بالطماطم والبيض الفاسدين وبالقناني الفارغة ، كما شاهدوا بأعينهم في اوربا حيث كانوا يعيشون ، حتى ذلك الحين يبقى التاكيد على السلمية والحضارية واجبا. علما ان اخطاء الطلبة او بعضهم ،ان وجدت ، لا تبرر في جميع الاحوال هذا استخدام العنف المفرط ضدهم.