اعمدة طريق الشعب

هكذا ابعدوا الشيوعيين عن الثقافة والتعليم والشباب! / طه رشيد

تعمدت السلطات المتعاقبة على دفة حكم العراق ابعاد من ينتمون للحزب الشيوعي، او «تُشم منهم رائحة شيوعية»، من مفاصل ثلاثة في الدولة وهي الثقافة والتعليم والشباب. وكأني بهم يحذون حذو السلطات الأمريكية خلال خمسينيات القرن الماضي حين كانت مطاردة الشيوعيين الهاجس الوحيد لحكومتها آنذاك تحت يافطة الحرب الباردة ومعاداة الشيوعية.
وقد برزت قضية ابعاد الشيوعيين في عراقنا ايام ابتلي بالدكتاتورية الشمولية، وعانى الشيوعيون الكثير من سياسة ابعادهم عن مراكز الثقافة والتربية والتعليم والشباب، وتراجعت هذه القطاعات اكثر نتيجة هذا الابعاد. وتفاقمت ظاهرة الابعاد والتهميش في منتصف السبعينيات من القرن الماضي حين بدأت سياسة «التبعيث» القسرية في الثقافة والتعليم. حيث أقدم مدير مؤسسة الإذاعة والتلفزيون آنذاك محمد سعيد الصحاف ( وتنفيذا لسياسة التبعيث) على طرد خريجي معهد التدريب الاذاعي من الشيوعيين واصدقائهم، الذين رفضوا الانتماء لحزب البعث الحاكم، الى دوائر اخرى ليست لها علاقة «بالمفاصل الحساسة» في الدولة كما كان يسميها مسؤولو الحزب الحاكم.
أما الخريجون الجدد من الكليات المختلفة فكان يتم تعيينهم من قبل دائرة الاحصاء المركزي في وزارة التخطيط.
وأتذكر اننا حين راجعنا هذه الدائرة طلبا للتعيين، تم ارسال ملفاتنا إلى وزارة الإعلام التي شكلت لجنة لمقابلتنا، وكانت لجنة أمنية أكثر منها لجنة استقصائية!
كان عددنا ثمانية مرشحين من أكاديمية الفنون الجميلة، وكان السؤال الاول الذي وجه الينا يتعلق بسبب عدم انتمائنا لحزب البعث! وحين تأكدت اللجنة، من أن ثقافتنا العامة لا تمت بصلة لثقافة الحزب الحاكم الشوفينية، تم رفضنا بالجملة، وهو عين ما حدث لنا في وزارة الشباب ايضاً!.
ولما وجدتُ الابواب موصدة في هاتين الوزارتين، قبلت التعيين في المؤسسة العامة للثقافة الفلاحية لأجد أمامي الفنانة والمناضلة الراحلة عمة زكية خليفة، والفنانين حكمت داود وصبحي الخزعلي وخالد عودة وآخرين لا تحضرني أسماؤهم من المتهمين بالشيوعية !
ذهب البعث وزبانيته الى مزبلة التاريخ ونحن بقينا وأفكارنا بقيت محط تقدير الفقراء والمعدمين والكثير من المثقفين، رغم كل محاولات تهميشنا، لان جذورنا ممتدة عميقاً في ارض الوطن.
لقد كان ابعاد الشيوعيين ومنعهم من تأدية دورهم المخلص خسارة للوطن قبل ان يكون خسارة الحزب..فالحزب الشيوعي الذي تمر هذه الايام ذكرى تأسيسه الثالثة والثمانون، هو وحده الذي يجمع العراق في سلة واحدة. وبه ترسو سفينة الوطن، المبتلي اليوم بالقوى الظلامية التكفيرية وبالفاسدين، على ضفاف التآخي والبناء والسلام.