اعمدة طريق الشعب

أعيدوا الحياة إلى أرضنا !/ عبد السادة البصري

في أوائل ستينيات القرن الماضي وبعد أن كبرتُ قليلا، صرت أعي الأشياء وأعرف ما يدور حولي. رأيتُ غابة نخيلٍ وحنّاء تحيط ببيتنا في أقاصي جنوب القلب ــ جنوب الفاو ــ وشاهدت أهلي وهم يعمّرون الأرض ويزرعونها بالخضار والفاكهة. وما أن كبرت حتى صرت أشاركهم الزراعة وأنا سعيد بعملي وأصير أسعد وقت ( قصاص ) التمر وجني الثمار!
أذكرُ بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وعودة الأسرى، ان الخال كاظم طوفان اخذ حال عودته من الأسر بإعادة بناء بيته في قريتنا التي مُسِحت من خارطة الكون اثناء الحرب، ولم يبقَ فيها أثر لنخلة أو شجرة إلاّ ما ندر، وبعد ان بنى بيته قام بحراثة الأرض المجاورة له بمساحة 400 متر مربع وترتيبها على شكل ألواح ليزرع فيها فسائل نخيل جلبها من البساتين التي لم تتضرر. تندّر البعض وعابوا عليه الجهد المضني رغم ما تركته سني الأسر من أثرٍ عليه ، إلاّ انه كان يقول لهم: سأعيد غابة النخيل كما كانت. وزرع أقلام الحنّاء وبذور الخضرة أيضاً، وبعد أشهر بدأت سعفات الفسائل بالاخضرار والدفع كما براعم الحناء وأغصان نباتات الخضرة أيضاً. أخذ يسقيها ويداريها وبعد سنة وأكثر صار المكان بساطاً أخضر يمنحك المتعة والفرح ، وبمرور الأيام والسنين ورغم ملوحة مياه الشط بعض الأحيان، إلاّ إن بستان النخيل والحنّاء الذي حرثه وعمّره الخال كاظم ظل يزهو بخضرته ورائحة الطلع حيث أثمرت النخيلات وأعطت ثمرة جهده وصبره ومكابدته. كما أكّدت للآخرين إن العشق الحقيقي للأرض ومشاطرتها كل شيء يرسم صورة ألقٍ وهّاجة ويجعلها تمنحنا الكرم والمحبة والثمار !
تذكّرت هذه الحكاية وأنا أسمع وأشاهد ما يحلّ بأرضنا الزراعية من تجريف، وبيع أغلبها كعقارات لتتحول الى مجمعات سكنية وتجارية بعد أن كانت تمنح الناظر خضرتها وطيب محبتها من ثمر النخيل والأعناب وغيرها!
أرضنا الزراعية بعد إهمالها تحولت إلى مساحات جرداء قاحلة ينمو فيها الشوك والعاقول، وتموت النخيلات واقفة تبكي الحب والعناية وتشكو الهجر. وصرنا نستورد التمر و الحنّاء والفواكه والخضروات من دولٍ كنّا نصدّر لها ما تجود به أرضنا من خير وفير !
علينا أن نسعى جاهدين لإعادة الحياة الى أرضنا ونهتمّ بزراعتها، كما ندعم الفلاحين والمزارعين ونشجعهم على الزراعة لأننا بحاجة ماسّة اليها حاضراً ومستقبلاً. لا أن نترك الأرض نهباً للطامعين والفاسدين والجشعين كي يعيثوا فيها فسادا ويحولوها الى مجمعات سكنية وتجارية ومخازن و( كراجات )!
علينا أن نفكّر بجديّة وإخلاص وانتماء حقيقي للوطن والناس، كيف نعيد الحياة لأرضنا وزراعتنا في كل حاضرة وقرية!