اعمدة طريق الشعب

على عتبات الاستثمار / قيس قاسم العجرش

تشهد بغداد حالياً بزوغ عدد من المشاريع السكنية العمودية، التي توفر مستوى أعلى في الخدمات من باقي أحيائها القديمة.
لا أعرف بالدقّة عدد هذه المجمعات، إلّا انني اطلعت تفصيلياً على ثلاثة منها، وكانت نسب الإنجاز فيها عالية جداً، بل ان بعضها قد سكنها الشاغلون الجدد بالفعل. وصاروا يتمتعون بنوع آخر من الخدمات ربما يكون غير مألوف للسواد الأعظم من سكنة بغداد الواسعة والمكتظّة. في هذه المجمّعات، تتوفر الكهرباء على مدار الساعة واليوم، والسبب هو أن تمديدات الكيبلات لا يتجاوز عليها أحد. والأهم، انها كهرباء مدفوعة الثمن بقدر الاستهلاك، وهو أمر تعثر تنفيذه في معظم أحياء بغداد.
مسألة البدء بشيء جديد من الأرض طلوعاً الى السماء هي مسألة مهمة، وأوضح منها أن جهد الدولة (الحكومة في هذه الحال) لا يتجاوز منح الإجازة الاستثمارية، والضمان في التسديد. حيث يجري تسديد الأموال من قبل المواطنين عبر مصارف حكومية، فانقطعت بذلك احتمالية الاحتيال، أو تراجعت الى حدّها الأدنى.
على خط هذه المجمعات، لا توجد مستوطنات عشوائية، وهي(وإن كانت تؤوي فقراء في العادة)إلّا أنها دائماً ما تشهد ممارسات خارجة على قانون البلدية والتصميم الأساسي، وتتجاوز على مشاريع الصرف الصحي، وتعاني فيها شبكة الكهرباء الوطنية نزيفاً مستمراً ولا أحد يدفع ثمن الطاقة، كما تغيب فيها تماماً عملية التخطيط. والأهم، انّها تؤثر بالسلب على المناطق المحيطة بها (أحياء الطابو)، ويواصل المواطنون تقسيم دورهم، الى وحدات أصغر وأصغر، وهي بوابة لمشكلة اجتماعية وخدمية غير محسوبة على الإطلاق.
كل هذه السلبيات تراجعت وتم تجاوزها في المجمعات السكنية الاستثمارية الحديثة، فلا يمكن تقسيم الشقق أو زيادة عددها، تجاوزاً على التصميم الاساسي. كما أن المستثمر يريد ان يرى بأسرع وقت ممكن عوائد استثماره، وارتفاع البناء وتسليم الوحدات من أجل اتمام باقي أطوار المجمّع اللاحقة.
المواطن من جانبه صار يدفع مقابل الخدمة والخصوصية والنظافة والعزلة وعدم التجاوز على حياته المنزلية اليومية، ومادام الأمر فيه تكلفة مادّية، فسيكون قابلاً للديمومة. لكن العلّة الأساسية هي أن التنفيذ والاتفاق والاستثمار يجري(قدر الإمكان) بعيداً عن اجهزة الدولة (الحكومة في هذه الحالة)، وبعيدأً عن السمعة السيئة التي نالتها هذه الأجهزة خلال صرفها المليارات، اثناء سنوات متخمة بالأموال وفقيرة في المنجزات.