اعمدة طريق الشعب

كلام نصف دسم / مرتضى عبد الحميد

لابد من الاعتراف بأن ماصرح به السيد قائد عمليات بغداد، بشأن التحسن النسبي للأمن في العاصمة، صحيح تماماً، ولعل الجهد الاستخباري المبذول من قبل الأجهزة الأمنية، أفضل من السابق أيضا، وهو ما يستحق الثناء والتقدير والدعم والإسناد كلياً، كما هو شأن الجهود الطيبة التي تبذلها عمليات بغداد لتخفيف الازدحامات المرورية، وقيامها في الآونة الأخيرة برفع (26) سيطرة في الرصافة و (30) في جانب الكرخ، ومعها (150) نقطة مرابطة في كلا الجانبين.
كذلك ما صرح به قائد العمليات حول الأسباب الحقيقية لهذه الاختناقات المرورية التي تعطل أشغال الدولة والناس على السواء، وترفع مستوى الكآبة الجمعية، وأمراض الضغط والسكر والنوبات القلبية، صحيح هو الآخر، في جانب منه على الأقل، وهو المتعلق بالعدد الهائل من السيارات في بغداد، الذي يبلغ (1,500,000) مليون وخمسمائة ألف سيارة، في حين أن الطاقة الاستيعابية لجميع شوارعها لاتتجاوز المئتي ألف سيارة، أي إن عدد السيارات الموجود حالياً هو سبعة أضعاف ونصف ما تتحمله شوارع العاصمة، إن كانت سالكة كلها، فكيف الحال والكثير الكثير منها مغلقة، وفي اغلب الأحيان بصورة اعتباطية، بل أن بعض المسؤولين وأصحاب المحلات والدور السكنية يعطون لأنفسهم الحق في غلقها أو التجاوز عليها، وكأنها ملك صرف لابائهم وأجدادهم. والانكى من ذلك أن طرقاً جديدة لم تفتح منذ سقوط الدكتاتورية ولحد الآن، لان المتنفذين سادرون في غيهم، ولا علاقة لهم بما يعانيه المواطن العراقي سواء في الحفاظ على حياته، أو في تعطيل اعماله. المهم بالنسبة لهم، تأمين حياتهم وغنائمهم خلف أسوار المنطقة الخضراء وليشرب الشعب من البحر!
لكن النصف الثاني من تصريح السيد قائد العمليات لم يكن دقيقاً حين قال إن السيطرات لاتسبب الزحام المروري، والجميع يعرف أن بعضها أو جلها لافائدة منه على الإطلاق، وكل ما تفعله هو خلق الزحامات المرورية وطوابير السيارات التي لا ترى نهايتها بالعين المجردة، أما الأمن ورصد الارهابيين وسياراتهم المفخخة، فهو آخر ما تقوم به، ويوجه منتسبو السيطرات الذين انشغلوا لسنوات بالسونار المهزلة، أسئلة ساذجة للسائقين والركاب من قبيل (من أين جئت؟ والى أين تذهب؟ وفي الفترات الأولى من ياعمام!) أو الاكتفاء بتحريك اليد دلالة السماح بالمرور.
إن حفظ الأمن وحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم ليس بكثرة السيطرات، ولا بعزل الأحياء السكنية عن بعضها، وكأنها غيتوات مغلقة لطائفة أو فئة معينة، وإنما باصلاح المنظومة الأمنية، وتخليصها من الفاسدين وغير الكفوئين، وتعزيز الجهد الاستخباري، الذي لن يكتب له النجاح إلا باستعادة ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها الرسمية، عبر عملية إصلاح جذرية للعملية السياسية، والانتقال بها من دولة الطوائف الى دولة المواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية.