اعمدة طريق الشعب

تعبير / قيس قاسم العجرش

كنت أكره تسمية ذلك الدرس المدرسي التقليدي بـ (الإنشاء)، وأميل دوماً الى أن أسمّيه بـ (التعبير). ربما لأن الكلمة مرتبطة أكثر بتصوير دواخل الفرد عبر الكلمات. أما الإنشاء، فلا أتخيل من معادل صُوري لهذه الكلمة سوى (عِمارة) جاهزة من الكلمات، تُصفّ فوق بعضها البعض، كي تبدو في الأخير صندوقاً له نوافذ موزعة بالتساوي.
ثلاثة مقترحات، كان يحملها لنا أستاذنا في اللغة العربية: أكتب في دور السيد الرئيس القائد في تحرير الأمة العربية. عفواً أستاذ، وهل تحررت أم إنّها قيد التحرير، يعني نكتب عمّا سـ يتحرر؟ الجواب: أكتب وأنت ساكت (بالعامّية: انلصم)، وإلّا سيأتي من يهينك،..ويهينني معكم!
الموضوع الثاني: هَلّ الربيعُ على سفوح الجبال، فأكتست خضرة وزهورا. كيف تصنع لنفسك ربيعاً من الأخلاق مع الآخرين؟ ونحن على أبواب الربيع وعيده؟
الموضوع الثالث: اختر لنفسك رأياً تطرحه على جيرانك، ونحن على أبواب العيد. هل يمكن أن نجمع سرّاً بعض المعونة لجارنا المعوز، فتفرح بها عائلته ولا نخدش حياءها بمدّ يد العون في العَلَن؟ أستاذ، أخاف الفرقة الحزبية ما يقبلون، إلا همّه يجمعون الفلوس!
كوم أطلع برّة، ابن الــ...
مع صفعة، وهمسة أب: أبني، لسانك لا يتهدّل من فمك أينما كان. أعرف أن خالك (صُبحي) كان شيوعياً، ومات جرّاء التهاب قلبه الشيوعي المزمن، فلا تحرق قلب أمّك مرّتين. أكتب ما يحلو لك، لكن بهدوء، ولا تُطلع الآخرين إلا الثقاة.
لكنّه يا أستاذ درس التعبير، أين سنعبّر عن أنفسنا إن لم يكن في دفتر التعبير؟
طيب، اليك الحل: اتخذ دفترين، أحدهما للمدرسة، والآخر اجعله بيني وبينك. أنا أصححه لك. وأنا أقرأ ما تكتب، لكن لا تُطلع أحداً عليه.
عرفت بعد سنوات، أن عشرة من أصدقائي كان لديهم مع ذات الأستاذ، نفس الدفتر السرّي، ومع أن جدول الدروس كانت فيه كلمة واضحة إسمها (إنشاء)، إلّا أن عشر دفاتر سرّية، يحتفظ أصحابها(ربما لغاية اليوم) بما كتبوه فيها كانت كلّها تحمل كلمة(تعبير).
جبروت الظالم لم يمنع أستاذاً وبضعة تلاميذ من التعبير عن أنفسهم، فهل سيأتي على آخر الزمان مجموعة من اللصوص ويمنعون التعبير؟
واهمون..واهمون يا لصوص الصدفة!