اعمدة طريق الشعب

الفهم القاصر يعمي البصائر / مرتضى عبد الحميد

تتدافع التصريحات النارية، هذه الأيام، من أفواه بعض المسؤولين، حتى لكأننا أمام مشهد في سباق المائة متر، والكل حريص على الفوز في هذا السباق، والوصول إلى منصة التتويج.
ولكن شتان بين المنصتين، منصة الرياضيين الذين يبذلون الجهد والعرق والتدريب المضني، في سبيل رفع راية بلدهم عالياً في المحافل الدولية، وبين مسؤولينا الذين لا يهمهم إلا الوصول إلى منصة الخداع والضحك على الذقون، رغم أنهم يسعون إلى جمع الصيف والشتاء على سطح واحد. فتحت ضغط الحراك الجماهيري، والفشل الذريع في ادارة الدولة، واحتضار طفلهم المدلل: المحاصصة الطائفية الاثنية، يحاولون الجمع بين الدعوة للدولة المدنية، والاحتفاظ بالبعد الطائفي، في الوقت ذاته، ارتباطا بالانتخابات القادمة، ومن أجل استمرار إنفرادهم بالسلطة. لكن هذا المشروع المغرق في الأنانية وغياب الضمير، سيكون نصيبه الفشل، كما هو حال كل المشاريع المعادية للشعب، ولتطلعاته المشروعة، طال الزمن أم قَصُرْ.
أحيانا يضيف الفهم القاصر لأمور تعد من البديهيات في الدول الديمقراطية والمتحضرة، عبئا جديدا للدوامة التي نعيشها. وهنا سأتناول نموذجين بائسين لهذا المستوى من الفهم.
الأول تصريح أحد المسؤولين العسكريين، وهو يضحك ملء شدقيه، بعد خطف الشبان السبعة، من أننا لا نفتش السيارات المضللة وذات الدفع الرباعي، احتراما للمسؤولين الموجودين فيها، وهو يعرف قبل غيره، أن بعض المسؤولين « رفيعي المستوى» كانوا قد اتهموا بالإرهاب، وهربوا إلى خارج البلاد، فحكموا غيابيا. وصدرت بحقهم أحكام ثقيلة وصلت إلى الإعدام، ومن بين التهم التي وجهت إليهم، أن سياراتهم المضللة كانت أحدى أدوات الجريمة، وبها نفذت عمليات إرهابية كثيرة! فما علاقة الاحترام بهذا الخلل الأمني الخطير؟
في الدنمارك والسويد، يذهب رئيس الوزراء إلى الدوام الرسمي على دراجته الهوائية، دون حماية أو حاشية، وفي الصين اشتغل الرئيس الصيني سائق تكسي ليوم كامل، ليطلع على أحوال الناس مباشرة، وتحسبا من عدم أدراج مشاكلهم في التقارير الرسمية التي ترفع إليه. فلماذا ترافق المسؤول لدينا، لا سيما اذا كان «كبيرا» خمسون سيارة مضللة، وعدد لا يحصى من الحمايات؟!
لسنا طوباويين، لكي نطالب مسؤولينا، بالشيء نفسه، لكننا نريد منهم التحلي بالتواضع والصدق، وان لا يكونوا فوق القانون.
النموذج الثاني، وبعد التحقيق «ديمقراطيا» مع الشبان السبعة، طرح عليهم أن مشاركتهم في الحراك الجماهيري، ورفع بعض الشعارات، ربما يستغلها المتصيدون في الماء العكر في الداخل والخارج، ويسيئون الى تجربتنا الديمقراطية!
لكن حتى لو أجبرنا أنفسنا على تصديقهم، أما كان الأجدى والأصح أن تجري محاورتهم والنقاش معهم في هذا الأمر، داخل شقتهم، أو في أي مكان أخر، بدلا من خطفهم والاعتداء عليهم بالضرب والشتم، والتهديد بالويل والثبور، إن إستمروا في نهجهم ونشاطهم؟
على الحكومة والجهات المعنية بالحفاظ على الأمن، إذا كانت جادة في الاستجابة لما يريده الشارع العراقي، أن تضع حداً لهذا الانفلات الأمني ، وأن تُخضعَ الجميع لحكم القانون.