اعمدة طريق الشعب

الدولة العميقة.. لعيونك! / قيس قاسم العجرش

في الذكرى الثالثة لسبي الموصل من قبل تنظيم داعش الإرهابي، نستطيع أن نقول أن الموصل عادت الى أهلها العراقيين.
لكن السؤال هو كيف عادت؟
على المستوى المادي، هناك خراب واسع في البُنى التحتية، ومُمتلكات المواطنين ودوائر الدولة.
وعلى المستوى البشري، دفعت المدينة ثمناً مؤلماً من دَم أبنائها حين رزحت تحت قبضة وحوش التنظيم، وتآزرت معها بقية المدن العراقية (في ما يشبه دفع الديّة)، فدفعت من جانبها دماً أيضاً كي تتخلص الموصل من ورطتها التي هي ورطة وجود الدولة العراقية.
نتذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش)لم يظهر صُدفة، فقد كان يُحصي أخطاء تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين المتوالية بعد مقتل الزرقاوي. ثم انتقل من كونه أحد مكونات «مجلس شورى المجاهدين»، الى كونه تنظيماً أساسياً لا يبايع أحداً، حيث عُقد ما سمى في وقته (حِلف المُطيّبين)، وهو تحالف بين القوى الارهابية سلّم القيادة للعراقيين منهم. منذ تلك اللحظة(التي تزامنت مع انطلاق خطّة فرض القانون وزيادة عديد القوات الأميركية عام 2007)، لم يعد هناك عملياً أي وجود لتنظيم القاعدة، إذ انسحب كل مقاتلي الفصائل الإرهابية الى ثنايا»الدولة الإسلامية في العراق والشام».
لم يُعلن التنظيم اسم أميره صراحة، ولم يدعُ الناس(أعني الأتباع المُحتملين)الى بيعة علنية كما تقتضي شروط القيادة حسب الأثر ونصوص السلف الإسلامي، إنما أبقى الإمارة غير معلنة حتى تسنى له أن يحكم الموصل فيظهر(الخليفة)المُفترض، ويطبّق شروط التاريخ فيرتقي المنبر وتُجمع له البيعة.
الأمر ليس مسلسلاً تاريخياً من مسلسلات رمضان(وإن كان يشبهها كثيراً)، لكن هذا هو تقريباً ما حصل في الواقع.
وحصل أيضاً في الواقع أن وقع بأيدي القوات العراقية عدد كبير من قادة هذا التنظيم، وجرى سجنهم، أو سوقهم الى التحقيق والقضاء. لكن الهروب الكبير من سجن أبو غريب(تموز2013) مكّن التنظيم من لملمة أفضل قادته، وأكثرهم خبرة. وتلاه هروب مماثل من سجن التاجي فكان التنظيم عملياً يسرح ويمرح.
ولم يتبق من خطوة أمامه سوى أن يحوز أرضاً لا تنالها القوات العراقية بسهولة. ولأن الأنبار تقع في محاذاة بغداد(التي لا يريد التنظيم أن يحتلّها لأسباب عدّة)، فلم تكن هي وجهته الأولى. بينما الموصل (البعيدة عن العاصمة)، يتزعزع الجيش فيها بسهولة، والفضل لقادته الذين كانوا أوّل الهاربين آنذاك. الموصل تفاحة التنظيم الإرهابي، توفرت فيها أرض فأعلن الإرهابيون دولتهم.
بقي الأمر الآن موكلاً إلينا أن نحافظ من جانبنا على دولتنا.. الدولة العميقة!