اعمدة طريق الشعب

الموصل في ذمة القضاء / جمانة ممتاز

يتحمل أهالي مدينة الموصل جزءاً من مسؤولية سقوط مدينتهم في يد الإرهاب، بسبب «تواطؤهم»، «خيانتهم»، «عمالتهم»، «دعشنتهم» كما سمعنا منذ ثلاث سنوات من شريحة غير قليلة من المجتمع العراقي، وجهت إلى أهالي المدينة اشد أنواع الملامة.
وبالفعل، هناك عدد لا يستهان به من الموصليين انخرطوا في صفوف داعش وتواطؤوا مع التنظيم الإرهابي. غير أن المسؤولية كاملة لا تقع، بطبيعة الحال، على أبناء المدينة بمجملهم. إذ إن مهام المواطنين في الدفاع عن مدنهم، هي مهامٌ مدنية لا عسكرية.
لقد دفع ملايين العراقيين خلال السنوات الثلاث المنصرمة، ثمن خطايا ثُلة منهم، حيث شُرّدت أعداد كبيرة داخل وخارج العراق، فيما بقي مئات ألوف المدنيين رهائن تحت سيطرة التنظيم الذي مارس بحقهم ابشع الجرائم التي شهدها الرأي العام.
وبقي سكان الموصل طوال سيطرة التنظيم الإرهابي، في عُزلةٍ، دون أي وسائل اتصال تربطهم بالعالم. فقد قطعت شبكة الانترنيت، ومنعت الهواتف النقالة، وصودرت أجهزة «الستلايت» من البيوت اثناء حملات المداهمة والتفتيش، التي كان يقوم بها عناصر التنظيم بين حين وآخرى.
أمام بشاعة المشهد الذي نعيشه إلى يومنا هذا، ومن أجل أن لا تتكرر المأساة بصيغة ثانية في محافظة او منطقة عراقية أخرى، لا بد من القصاص من الجناة الذين تسببوا في سقوط ثاني أكبر مدن العراق، وجروا البلد الى أزمة أمنية واجتماعية، انعكست تبعاتها على المجتمع العراقي بشكل مباشر وعلى دول المنطقة والعالم.
نعم، لابد من تفعيل ملف سقوط الموصل وايقاظه من السبات في مجلس القضاء الاعلى. فلقد أشارت لجنة التحقيق في سقوط الموصل، بشكل صريح، الى تورط كبار القيادات السياسية والأمنية في قضية انهيار المدينة في العاشر من حزيران 2014، ويفترض أن الملف أحيل الى مجلس القضاء الاعلى، الذي لم يتخذ حتى الآن، إيُ اجراء يحقق العدالة، ويثأر لتشرد ثلاثة ملايين نازح او لموت آلاف الشهداء من المدنيين والعسكريين من مختلف انحاء العراق، الذين ابتلعتهم محرقة الحرب مع داعش.
ان من غير الممكن تجاهل الضرر الذي لحق بملايين العراقيين من اجل عيون نفر من القادة! كما لا يمكن التعامل مع هذه القضية وفق منطق الصفقات السياسية، وغض الطرف عن المتهمين فيها، خوفا على سلامة العملية السياسية، كما يُقال.
ومن غير المقبول، إطلاقاً، التحجج باستمرار الحرب على داعش، وتأجيل محاسبة المتسببين في تشريد الناس وتهديد مستقبلهم ومصائرهم، وتكبيد البلد والدولة خسائر كبرى. فهذا الملف، لا يقل أهمية عن اي انجاز عسكري حققته القوات الأمنية خلال معركة الموصل.
ان محاسبة المتورطين في ملف سقوط الموصل، قضائياً، ستكون انتصاراً عراقياً مؤكداً في سلسلة الانتصارات المحرزة على داعش. وهي، من جانب آخر، تسديد لدين بذمة الدولة اتجاه كل التضحيات الزكية التي بُذلت في معارك التحرير. كما انها رد اعتبار لكل النازحين ولكل العوائل التي احتجزت في الموصل وذاقت ويلات الدواعش والموت والجوع.
إن تفعيل هذا الملف من قبل السلطة القضائية، من شأنه أن يعيد ثقة المواطنين بهذه المؤسسة الدستورية وبقية مؤسسات الدولة، ويطوي جانباً من صفحة داعش السوداء، ويعطي العراق فرصة استقرار جديدة.