اعمدة طريق الشعب

للمتقاعدين حقٌ على الجميع ..!/ عبد السادة البصري

في عام 1971 تحديداً أحيل أبي الى التقاعد فبدأت مراجعاته لإكمال معاملة الراتب التقاعدي ، حيث السفر من الفاو الى مركز البصرة لمراجعة دائرة التقاعد. اصطحبني ذات مرّة معه الى الدائرة تلك حيث كانت للمتقاعدين قاعة استراحة يأتي اليها موظف ينادي بأسمائهم ليوجههم كل حسب القسم الذي سيراجعه. في القسم أيضاً شاهدت مصاطب يجلس عليها المراجعون حتى إكمال معاملاتهم والمناداة عليهم واحداً واحدا. وفي أقل من أسبوع أكمل أبي معاملته وأعطي موعداً لاستلام الراتب ، كما أعطي ختما من البرونز باسمه للتوقيع عند الاستلام كونه أميّاً !!
تذكرت مراجعة أبي لدائرة التقاعد وأنا أدخل قبل يومين الى دائرة التقاعد في البصرة حيث الازدحام على أشدّه والمراجعون ينتشرون في الممرات وعلى الدرجات وداخل الغرف ، وهناك كرفانات اتُخذت كقاعات ومكاتب لبعض الأقسام كون البناية التي تشغلها الدائرة صغيرة ولا تصلح أن تكون دائرة تقاعد علماً ان المراجعين أغلبهم من كبار السن والمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة ، إضافة الى ضيق المكان وارتفاع حرارة الجو ، لهذا تجدهم متذمرين من التأخير واستمرار المراجعة ( روح وتعال ) وقد تكدّسوا وتسمّروا عند الشبّاك نساءً ورجالاً في حالة من التدافع وضيق التنفس والاختناق !!
في كل دول العالم إذا أحيل المواطن الى التقاعد تُباشر دائرته بإجراءات معاملة تقاعده وإكمالها ثم تسليمه مكافأة نهاية الخدمة والراتب الأول في حفلة تقام على شرفه وهو جالس على الكرسي وكأنه ملك زمانه. كل ذلك لأنه قدّم سنوات عمره الغضّة في سبيل خدمة الوطن والناس !! المتقاعد الذي أكمل السن القانونية أعطى كل حياته وزهرة شبابه في خدمتنا، لهذا علينا أن نخدمه في كبره ونسعى لتقديم أفضل ما نستطيع من خدمات له كي لا يشعر انه أصبح خارج قائمة الخدمة ، بل دعامة من دعائم البناء التي نستند عليها. ومواطنونا بشرائحهم المجتمعية كافة بحاجة الى وقفة مثل هذه كي نشعرهم بقيمتهم الأساسية في الحياة ، وإنهم قدّموا ما عليهم ، وهذه ثمرة كدّهم وصبرهم كل هذه السنين وهم يعملون ويخدمون ويبنون الوطن ، لا أن نتركهم يركضون هنا وهناك لاهثين من التعب والمعاناة ، بل علينا أن نقدّم لهم الأفضل والأمثل وننجز معاملاتهم بأسرع وقت وفي دوائرهم قبل أن يودّعوها !!
على الحكومة والمسؤولين كافة أن ينظروا الى معاناة المواطنين في دوائر التقاعد العامة وفي المحافظات جميعاً ليرفعوا الحيف عن المراجعين ، وتكون هناك تحركات جادّة وملموسة بتغيير آلية إنهاء معاملاتهم من خلال فتح قسم في كل دائرة يُعنى بشؤون المتقاعدين وإكمال إجراءات معاملاتهم من ألفها الى يائها وعلى أحسن وجه لنشعرهم بأن لهم دَينٌ في أعناقنا وعلينا أن نفي به من خلال ذلك ولنعلم أيضا اننا كلّنا سنمرّ بنفس التجربة ذات يوم!!
للمتقاعدين حقٌ على الجميع ، لهذا يجب أن ننظر اليهم بعين المسؤولية الكبيرة ونرفع عنهم معاناة المراجعات وآلامها بعد وصولهم السن القانوني الذي سنصل اليه حتما ذات يوم ونقف نفس موقفهم هذا!!