اعمدة طريق الشعب

لم يبق للفاسدين سوى تزييف الحقيقة / مرتضى عبد الحميد

تتصاعد حملات البعض من ناهبي ثروات البلد، ومخربي بناه التحتية والفوقية، ضد العلمانيين والمدنيين هذه الأيام، ويتناسب هذا التصعيد طرديا مع اقتراب فترة الانتخابات، وخوفهم من فقدان ثالوثهم المقدس (النفوذ والسلطة والمال) بعد أن اتضح حتى للمواطن البعيد عن السياسة، حجم الفشل الذي أنتجوه في إدارة الدولة، وجعلهم العراق في ذيل قائمة الدول الأكثر تخلفا وفسادا في العالم.
ولم يجد هؤلاء الهادمون لكيان الدولة، وسيلة أفضل من الاسطوانة المشروخة، المعروفة باسم «الإلحاد» ليلصقوها هذه المرة بالعلمانيين والمدنيين، وبكل من يقوم بفضح الفساد المالي والإداري، والمحاصصة الطائفية الاثنية، وبالمطالبين بإصلاح العملية السياسية التي تواجه اليوم طريقا مسدوداً، سيزداد انغلاقا بعد الخلاص من «داعش» إذا لم يتداركها الحكماء والعقلاء في صفوف المتنفذين وصناع القرار السياسي.
لقد فعل حسناً، قادة الحراك الجماهيري ونشطاؤه، بتصريحاتهم المسؤولة عن أن معركتنا هي مع لصوص السياسة، ولن ننجر إلى صراع ديني أو طائفي أبداً.
وكما هو معروف، فان الإلحاد وجد منذ نشوء البشرية، ولا علاقة له أطلاقاً، لا بالعلمانية ولا بالاشتراكية، لأنهما مصطلحان حديثا عهد نسبيا، ومن يريد إلصاق التهمة بهما، لا يعبر الا عن حقد دفين، أو جهل يعشش في خلايا دماغه المريض. وقديما قالت العرب: الجهل مطية، من ركبها ظلَّ ومن صحبها ذل.
ويمكن اضافة دافع آخر، هو رغبة البعض في تشويه سمعة العلمانيين والمدنيين، لإبعاد الناس عنهم، وإعادة إنتاج الفاسدين ذاتهم، رغم الاستياء الواسع جدا منهم، وفشلهم الذريع في إدارة شؤون الدولة، منذ سقوط الصنم ولحد ألان.
إن سعي هؤلاء المتنفذين، وإعلاءهم لراية الكذب والتزييف العلني، لا يختلف عن مسعى من أراد تحرير القدس، عبر «عبادان»، فأدخل العراق في نفق مظلم، مازلنا نتلمس طريقنا فيه، للخروج من ظلماته الى نور الحرية والديمقراطية الحقيقية، لا سيما وان هذه القضية باتت معروفة لأبناء شعبنا، ولا علاقة لها بالدين أو التدين لا من قريب ولا من بعيد. فالعلمانيون وكما أثبتوا عملياً هم الاحرص، والأصدق في احترام الدين، وفي ضمان ممارسة الجميع للشعائر الدينية دون تمييز أو تضييق من أحد، وقد جسدوا ذلك في شعارهم الرئيسي بإقامة دولة المواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية.
ان الهدف الحقيقي لهذه الحملة الظالمة ضد العلمانيين والمدنيين، هو محاولة التغطية على فسادهم وفشلهم، وحرف انتباه العراقيين، عن الخراب والبؤس الذي يعيشونه بفضل هؤلاء الحكام، سواء ما تعلق منها بالخدمات، وتدهورها المريع، أو الفساد المالي والإداري، أو بالإصرار على المحاصصة والطائفية السياسية، وهي السبب الارأس في البلاء والدمار اللذين حلا ببلدنا العزيز، أو في التشبث بـ (المفوضية اللامستقلة و قانون الانتخابات الجائر) وكذلك في بقية المشاكل والبلاوي التي لا تعد ولا تحصى، الامر الذي يتطلب بذل المزيد من الجهود، والنضالات المثابرة دون هوادة، لافشال هذا المخطط الخبيث، وإستبدال هذه الوجوه الكالحة، بأخرى تتحلى بالنزاهة والصدق والوطنية، وتؤمن حقاً بالديمقراطية والعدالة والمساواة، وتعمل بكفاءة وحماس وضمائر حية، لإنقاذ العراق من الكارثة الوشيكة، وبناء دولة لكل العراقيين، لا دولة مكونات تعيدنا إلى القرون الوسطى، وربما إلى العصور الحجرية.