اعمدة طريق الشعب

نصيحة الى الشيخ الكفيشي / محمد عبد الرحمن

ليس هناك ما هو مستغرب في حديث الشيخ الكفيشي، فهو كما يبدو قد جند نفسه ، كما فعل غيره من قبل ، للإساءة الى التيار المدني " بمختلف فئاته "، اي الشيوعيين والمدنيين الديمقراطيين والليبراليين، وكل من يعلن انه ينتمي الى التيار المدني . وإذا ما تابعنا ما قاله الكفيشي في عدد من خطب الجمعة التي تنقلها " فضائية آفاق " الى نهايته المنطقية، فسنجد انه يشمل الجميع عدا من ينتسب الى التيار الإسلامي السياسي ، وان شئتم التخصيص : لى التيار الإسلامي الشيعي تحديدا .
وفي الوقت الذي يتحدث فيه الكفيشي عن كثير من التسامح واحترام الناس على اختلاف اهوائهم ، فانه يبدو شديد العقاب تجاه من يخالفه الرأي. وقد أعطى لنفسه الحق في " محاربة " العلمانيين والمدنيين ، وخول نفسه كيل الاتهامات لهم من دون وجه حق. وهي فوق هذا اتهامات باطلة لا أساس لها ، وتفتقد المنطق المتماسك الذي يفترض الا يغيب عن الشيخ وهو يحمل شهادة الدكتوراه .
والملفت في الكفيشي ايضا انه عضو في مجلس النواب وان في حديثه خرقا واضحا للدستور وتحريضا على الحقد والكراهية واثارة المواطنين بعضهم على بعض ، بدل السعي الى التمسك بمواد الدستور الداعية الى احترام حقوق المواطنين وحرياتهم وحقهم في ابداء وجهات نظرهم بالطرق السلمية .
ثم ان في حديثه خلطاً مقصوداً، ونحن نتحداه ان يأتي مثلا بما يؤشر وقوع إساءة الى الدين من قبل قوى التيار المدني المعروفة، والتي كان لها شرف الدعوة الى التظاهر والاحتجاج باعتباره وسيلة لتصحيح المسارات الخاطئة والتصدي للفاسدين والمرتشين والفاشلين. ولم يكن في بال ايّ من هؤلاء، كما تبين المتابعة والمعرفة ، ان يضع الجميع في سلة واحدة او ان يتهم الاسلامين جميعا بالفساد من دون تمحيص او تدقيق. والدليل الحي الملموس على ذلك هو تعاون المدنيين مع اخوتهم في التيار الصدري في مختلف ساحات الاحتجاج والتظاهر. ام ترى الكفيشي يريد ان يخرج الصدريين من صفوف القوى الإسلامية ؟!
ويصل التهافت عند الشيخ الكفيشي حد اتهام المدنيين والعلمانيين بالتآمر على العراق وتنفيذ اجندات خارجية! ونحن هنا نذكّر الشيخ المحترم بان من يوجه اليهم هذا الاتهام المسيء قد رضعوا الوطنية وحب الوطن والإخلاص له والتضحية في سبيله مع حليب امهاتهم. وبالنسبة الى الشيوعيين فهم سليلو قائد ملهم تحدى الموت وهو يقول: " كنت وطنيا قبل ان أكون شيوعيا ، وعندما أصبحت شيوعيا ازدادت مسؤوليتي تجاه وطني "، وساروا على خطاه مرفوعي الرؤوس.
ان احاديث الشيخ المرتبة جيدا والمعدة بعناية ، والتي تحرص فضائية آفاق على نقلها، معروفة الدوافع والمرامي والغايات. فهو مواظب على الاشارة الى مواقف التيار المدني كلما سنحت له الفرصة، وحتى اذا كان يريد الحديث عن شهر كريم مثل شهر رمضان ، والاشارة طبعا بالسلب وليس الإيجاب . وكيف له ان يأتي على ذكر شيء إيجابي وهو الذي أعلن الحرب على كل من هو غير أسلامي ، بالمعنى السياسي وليس الديني ؟! ولنا ان نتساءل ايضا: اهكذا يحترم عضو البرلمان التعددية الفكرية والسياسية في مجتمعنا ؟ أإلى هذه الدرجة يضيق ذرعا بمن يختلف معه ؟
لكن الكفيشي يضطر بالطبع ، تحت ضغط الواقع والفضائح التي تزكم الأنوف ، الى الاعتراف والاقرار بان بعض المحسوبين على الإسلاميين قد أساؤوا الى الإسلام. وهؤلاء تحديدا هم المقصودون بشعار "باسم الدين باكونه الحراميه". فلماذا تتضايق أيها الشيخ من هذا الشعار وتشن حربا ضروسا ضده ، وهو في جميع الأحوال تزكية للدين من أفعال الفاسدين ، إسلاميين وغير إسلاميين؟!
واذا كنت تقول عن المدنيين انهم بلا برنامج ، وانهم لا ينشدون الإصلاح والتغيير ، في تشويه واضح للواقع ، فهل لك ان تدلهم متفضلا على مشروع يتبنى قولا وفعلا الإصلاح والتغيير كي يتبعوه؟ واذا كنت من حملة مشروع سياسي محدد، فقل لهم مشكورا ما هو هذا المشروع بدل توجيه الاتهامات إليهم جزافا ؟!
سيدي الشيخ الجليل ، لقد كان أفضل ان تستثمر المنبر الذي اتيحت لك فرصة الحديث من فوقه ، في الإسهام مع المدنيين والعلمانيين في تعرية الفساد ورموزه ، وفي المطالبة بتقديمهم الى القضاء واسترداد أموال الناس منهم ، وان تدعو الى التلاحم الوطني وتعزيز التكاتف في وجه أعداء العراق الحقيقيين وليس المفترضين ، وان تكون من دعاة الإصلاح والتغيير. وبما انك عضو في البرلمان فلا يخفى عليك الكثير من الحقائق المرة عن سوء الأحوال التي اوصلت بلدنا اليها الكتل المتنفذة والحاكمة .
واسمح لنا ان ننصحك بان لا تتعب نفسك كثيرا ، فما تقوم به انت اليوم سبق ان نهض به كثيرون غيرك ، وبوسعك ان تسأل عن مصيرهم. ومن جانبنا نطمئنك الى ان دعاة الإصلاح والتغيير ماضون في طريقهم وصفوفهم في توسع ، وانهم شديدو التمسك ببرنامجهم لما فيه خير الشعب والوطن ، وخير الفقراء والكادحين والمستضعفين .