اعمدة طريق الشعب

أبناؤنا والامتحانات والحَرّ! / عبد السادة البصري

في عام 1979 أدّيت الامتحانات الوزارية للصف السادس العلمي ، كنت أنهض صباحاً لأسيرَ مسافة ليست بالقليلةِ من بيتنا في جنوب الجنوب الى مركز قضاء الفاو لأن قاعتي الامتحانية في مدرسة من مدارس المركز. بدأت الامتحانات في وقتها يوم 2 حزيران وبالتناوب مع طلاب الدراسة المتوسطة، كانت درجات الحرارة بين 40 ــ 45 درجة مئوية ، أي إنّ الجوَّ حارٌ أيضاً، ما كنّا ندخل القاعات ونجلس حتى يأتينا "الفرّاش" حاملاً دلوه المملوء بالماء والثلج ليوزع الماء علينا واحداً واحدا. لم تكن ساعتها توجد في القاعات مكيفات هواء أو سبالت ، كانت مراوح فقط لكن الكهرباء لم تنطفئ أبدا! فرغم رهبة الامتحان وقلقنا لكننا لم نكن نشعر بالحرارة وقتها، الماء يأتينا باردا كل عشرة دقائق والمراوح تنثر هواءها المشبّع ببرودة الشطّ علينا !كما كنّا نقضي شطراً من الليل بالمراجعة تحت مصابيح الشارع مستمتعين بالنسيم القادم من شط العرب الذي كان يداعب نفوسنا بعذوبته ، لم نكن نشعر بالتعب والغثيان رغم سهرنا وقلقنا وارتفاع درجات الحرارة لأن الكهرباء لم تنطفئ أبدا!
تذكّرت تلك الأيام وأنا أشاهد أبناءنا الطلبة منذ يومين وهم يتوجهون الى تأدية امتحاناتهم الوزارية في هذا الجو اللاهب والقائظ جدا حيث درجات الحرارة تتجاوز نصف درجة الغليان بخمس درجات وأكثر والكهرباء لم تستقر أبدا وتلكؤ القائمين بتوزيع الماء عليهم ــ إذا افترضنا أنّ هناك مَنْ يوزّع الماء؟! ــ وبعض القاعات غير مهيأة بشكل جيد من ناحية الرحلات وزجاج الشبابيك المكسور وعطل أجهزة الكهرباء، والطامّة الكبرى الأخطاء الواردة في الأسئلة!
أبناؤنا هؤلاء وهم يؤدون امتحاناتهم يقفون على عتبة الجامعة والتي هي عتبة المستقبل والخطوة الأولى في طريق خدمة وبناء الوطن ، علينا أن ننظر اليهم بمنظار المسؤولية الكبرى ونفكّر في أهمية وجدّية هذه المسؤولية وما أنيطت بها من خدمات ؟! إنهم وفي ظروف أصعب من الصعوبة نفسها ــ درجات حرارة عالية جداً، كهرباء غير مستقرّة أبداً ،، قلق الامتحانات وما يعانيه الناس من انعدام وسوء في الخدمات، ودفاع آبائهم وإخوانهم وأصدقائهم ومعارفهم عن كرامة وطهارة وشرف الأرض والناس والمقدسات ضدّ أشرس المجرمين وأعتاهم على وجه الأرض يؤدون ما عليهم من واجب تجاه مستقبلهم ومستقبل الوطن فما علينا سوى الوقوف معهم وبشكلٍ جدّي وانتماء حقيقي إلى لأرض والناس!
علينا أن نفكّر ونعمل على إنهاء كل الأزمات واحدة اثر أخرى ونوفر الكهرباء إضافة الى الاهتمام بالتربية والتعليم بشكلٍ أكثر جدّيةً!
أبناؤنا اليوم أمانة في أعناق المسؤولين على كل ملفات الكهرباء والماء والخدمات الأخرى، لا تجعلوهم يخرجون الى الشوارع ناقمين ومطالبين بأبسط حقوقهم في العيش على تربة هذا الوطن الذي قدموا ويقدمون له الكثير ، وبعد خروجهم وتظاهرهم تنعتونهم بأبشع وأقذع النعوت وتعاملونهم وكأنهم جاءوا من كوكبٍ أخر يريدون هدم عروشكم!
العروش والكراسي التي لن تخدم الناس والوطن لن تنفع حتى أصحابها وستنخرها الأرضة وتتحطم ويهوون الى الحضيض ولات ساعة مندم حينها!