اعمدة طريق الشعب

الى متى الانصياع إلى إملاءات صندوق النقد الدولي؟ / مرتضى عبد الحميد

منذ بداية الستينات من القرن الماضي حتى منتصف السبعينات، كانت مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي أفضل من الان بكثير، وتتوزع هذه المساهمة على القطاعين الأهم في اقتصادنا الوطني، وهما الصناعة والزراعة.
منذ ثورة 14 تموز بدأ التفكير الجدّي، بتغيير الطابع الريعي للاقتصاد العراقي والعمل على تخليصه من آفة الاعتماد على الواردات النفطية فقط، فأنشئت صناعات وطنية في معظم القطاعات الإنتاجية، وكانت نوعيتها تضاهي الصناعة الأجنبية في أرقى مناشئها، بل أن بعضها كان يتفوق عليها، وكان الإقبال على شرائها من المواطنين كبيراَ، فاستبشر الوطنيون والعراقيون جميعا، بالنهضة المقدم عليها بلدهم.
وفي الزراعة أيضاَ، كان الاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن الغذائي هو السائد في تلك الفترة، بل كان العراق يصدر التمور والحبوب والفواكه إلى دول الخليج وغيرها، وليس كما هو الحال الان حيث نستورد حتى «باكَات الفجل» من دول الجوار، وبعض صادراتها إلينا لا تصلح حتى للاستهلاك البشري!
بعد أن تغيرت الأحوال، وبدأ مسلسل الدكتاتوريات والأنظمة اللصوصية يفرش عباءته السوداء على أرض العراق، تغير معها هذا النهج الوطني، وغابت التنمية المستدامة والمؤقتة عن أنظار المسؤولين القادمين من كهوف التعصب والأنانية واللاكفاءة، ليمارسوا مع سبق الإصرار والترصد تحطيم الاقتصاد تدريجيا، فضلا عن تمزيق النسيج الاجتماعي، وانهيار منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية.
كان المعول الرئيس في هذا الخراب «صدام حسين» ونظامه الفاشي، سواء بحروبه الداخلية والخارجية، أو بسياساته اللاواقعية والمزاجية في مختلف مجالات الحياة، ثم جاء الاحتلال ومؤيدوه، الذين ينعتونه بمناسبة وبدون مناسبة بـ «المحرر والمنقذ» للشعب العراقي، ليكملوا ما فعلته الدكتاتورية بعراقنا الجريح.
ومبكرا جدا، كشفت المؤسسات الرأسمالية الدولية خصوصا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، عن خططهما لخصخصة مؤسسات القطاع العام، وتحويل العراق الى سوق تابع لها، فقدموا منذ أيام مجلس الحكم، مشروعهم التدميري هذا، لكن بجهود رفاقنا والحريصين على حاضر العراق ومستقبله، استطاعوا تكوين رأي عام مناهض داخل المجلس، ما أفشل هذا المخطط ودعا أصحابه الى تأجيله لبعض الوقت.
بيد أن القادمين على حصان المحاصصة والطائفية السياسية، كانوا خير عون لهم، فعملوا طيلة السنوات العجاف الماضية على تنفيذ هذه السياسة بـ «إبداع» فتعطلت الآلاف من المصانع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، مع إصرار مرضي على الاستيراد من الدول الأجنبية، رغم وجود صناعة وطنية او ما تبقى منها، والسبب لا يحتاج الى ذكاء لمعرفته، وهو « الكوميشن» والرغبة في الثراء غير المشروع على حساب الشعب والوطن.
أخر فصول هذه المأساة ما كشفته النائبة «ناهدة الدايني» عن أكبر شركة للصناعات الكهربائية ومقرها ديالى المهددة بالتوقف، بفعل نهج الاستيراد الخارجي الذي تعتمده الحكومة، حسب تعبيرها.
وهذه الشركة هي من أضخم واكبر شركات أنتاج المحولات والأجهزة الكهربائية، وإنتاجها من أجود النوعيات حتى على مستوى الصناعات الأجنبية، وأضافت ان أكثر من (5) ألاف عامل وموظف في الشركة، مهددة رواتبهم بالقطع فضلا عن عدم حصولهم على الحوافز اللازمة إذا أستمر إهمال منتجاتها والاعتماد على الاستيراد الخارجي الذي يعد استنزافا لميزانية الدولة لا أكثر.
فهل ستلتفت الحكومة ووزاراتها المعنية، لتغيير هذا النهج اللاوطني، واستبداله بما يؤمن للعراقيين التمتع بخيرات بلدهم، وبما يعيد بناء الاقتصاد الوطني على أسس سليمة؟ أم سيستمر التحالف الضمني بين صندوق النقد الدولي واملاءاته وبين رغبات البعض في السحت الحرام؟