اعمدة طريق الشعب

ضريبة محلية / قيس قاسم العجرش

أفضل الاقتصاديات هي تلك المبنية على احتساب ضريبي دقيق. بل أن هناك من الأمم من ذهب الى أن المواطن هو(دافع الضرائب). لكن هذا الاسم (ضريبة) ارتبط تاريخياً لدى التصور الشعبي بمفهوم القسر والجبر، وأن تدفع الضريبة بطريقة تسحق بها مصالح الدافع (بدلاً من أن تكون مهيأة بالأساس لمنفعة ومصلحة دافعي الضرائب).
وهذا بعض من إرث الشمولية التي ابتلينا بها وما زلنا.
في البصرة العزيزة التي قرر مجلسها في يوم ما أن يفرض ضريبة مقدارها (1) في المائة عن واردات منافذها الحدودية، تصور الناس أن هذه الضريبة ستنعكس ايجاباً على الخدمات وعلى شكل مدينتهم التي تتدهور صورتها يوماً بعد آخر.
لكن كانت تلك على ما يبدو أمنيات أكبر من أن تتحملها سماء البصرة الملبدة بالمليشيات، والاحزاب والاحتراب الداخلي، فضلاً عن الحروب العشائرية التي تكشف أولاً عن غياب سلطة الدولة.
ليست كل المنافذ الحدودية تطبق هذه التعرفة الضريبية، والمنافذ التي طبقتها تئن الآن تحت نتائج هذا التطبيق. إذ تحولت القضية برمتها الى ملفات قضائية وشكاوى ونزاهة واتهامات. ثم انسابت هذه الرزايا لتسهم في تعكير السماء الملبدة التي وصفناها، وتسهم في الانتقام من أهل البصرة. يبدو أن درجات الحرارة ونقص الكهرباء والماء الصالح للشرب لا يكفي كانتقام.
المهم، ان الموضوع تحوّل الى (ملف) جديد للنزاع في المحافظة، مثلما هو عمليا ملف للنزاع في كل المحافظات التي تجبي ضرائب محلية تحت عنوان تعظيم موارد المدينة وتحسين الخدمات المقدمة لأهلها.
هذا الأمر يكشف لنا أن المشكلة ليست في التوجه الاقتصادي نفسه، سواء كان مركزي النزعة أم يدار لا مركزياً، فكل منظومة اقتصادية فيها من النوافذ ما يكفي لتوجيه الانتقاد، لكن الأسوأ هم اللصوص المتربصون بهذه النوافذ. القصة لا علاقة لها بطريقة الادارة، أو طريقة احتساب النسب المئوية، ولا علاقة لها بالمركز أو الاقليم، لا علاقة لها بالمالية أو المنفذ الحدودي، لا علاقة لها بالمنتجات الوطنية أو الأجنبية الواردة، ولا علاقة لها بالخدمات البلدية السيئة التي (رغم سوئها) فإنها تواصل صرف تخصيصاتها المالية عن آخر فلس.
الأمر كل الأمر يتعلق باللصوص... اقلعوا اللصوص من أماكنهم، يصفو لكم وجه مدينتكم، الذي هو وجه العراق.