اعمدة طريق الشعب

رش الماء على الذاكرة !/ قيس قاسم العجرش

حين تتجول في أزقة بغداد وشوارعها السكنية الفرعية، سيتكرر لك مشهد رجل ما يرشّ الماء أمام بيته أو على عتبة محلّه التجاري.
بالتأكيد لن نتحدّث عمّا تمثله هذه الظاهرة من هدرٍ مائي، لكن العذر أن حرارة 50 مئوية، ستسمح للجميع بأن يفعلوا ما يشاؤون بعيداً عن العَتب. أما المغزى فهو أن من يرشّ الماء إنما يتمنّى أن تساهم هذه القطرات التي تسارع بالتبخّر في مزيد من الطراوة والتلطيف، أمنيات فقط.
في السياسة العراقية الساخنة، نحن بحاجة فعلاً الى هذا النوع من الطراوة، بعض الماء كي يُرَش على الذاكرة، ولا أتحدث هنا عن ذاكرة(سحيقة)، إنما بضعة سنين مضت فقط.
لنتذكر مفوضية الانتخابات وما فعلته بعد انتخابات 2014 الصاخبة وحتى قبل الانتخابات، حين أعلنت أن هناك من المشاركين من سبق شموله بإجراءات اجتثاث البعث، وحذفت أسماءهم. ثم عادت لتستثني منهم من تقدّم باستئناف وقبلت باستئنافه السلطة القضائية. ثم ظهر بعد اعلان النتائج أن هناك من لم يقدّم شهادته الدراسية على وفق ما يتطلّبه القانون الانتخابي، وأن هناك من جلب شهادة مزّورة، أو أنها بلا(صحّة صدور) على أقل حال. ثم تبيّن أن هناك من لم تبت السلطة القضائية في صحّة ترشيحه ومضى الى الانتخابات وفازت قائمته وحصل على مقعد، ثم جرى ابعاده عن المقعد. وعلى إثر ذلك ضاعت أصوات الآلاف من الناخبين وارتبكت أصوات آخرين نتيجة هذه البلبلة قرب النتائج،(كان المعلّق الرياضي الشهير شيدراك يوسف يسمّي هذه الحالة في مباريات كرة القدم" دربكة دفاعية")، ونتذكر أن(الدربكة) تحوّلت قليلاً الى الملاكمة، حين اقتحم قاعة العد والفرز إثنان من المرشّحين الأقوياء بنفوذهم، والضعفاء بأصواتهم، وانهالوا بالضرب على موظفي المفوضية وأحد أعضاء مجلسها، ولم يكن هناك من إجراء قضائي يُذكر في المقابل.
هذه الأحداث، وأخرى غيرها هي التي تشكل ذاكرتنا عن (العملية الانتخابية)، التي يريد البعض تصويرها لنا وكأنها الانتخابات الأكثر نزاهة ومصداقية على وجه الأرض، هذا ليس صحيحاً بالمرّة.
مطلوب منّا أن نَرش شيئاً من الماء(حتى لو كان هدراً) على الذاكرة القريبة. مطلوب منّا على الأقل أن نُفهم الطبقة السياسية بأننا لا ننسى، وأن ما فعلوه وما خرقوه دستورياً لا يمكن أن ينسى ببساطة.
ذاكرتنا طريّة، رغم حرارة الجو.