اعمدة طريق الشعب

عندما تكونُ صادقاً ../ عبدالسادة البصري

تذكّرتُ هذه العبارة «عندما تكون صادقاً تسكنُ قلوبَ الناسِ وذاكرتهم الى الأبد» وأنا أقرأُ وأشاهدُ قبل يومين ما يُنشر على صفحات التواصل الاجتماعي وما تبثّه القنوات الفضائية الكويتية حول رحيل الفنان عبدالحسين عبدالرضا، من كلمات الرثاء والتأثر واستذكار لحظات من حياته الفنية والاجتماعية، والتشديد على صدقه في التعامل مع الآخرين سواء في العمل أو في الحياة العادية، وتواضعه ومساعدته لكل صغير وكبير وإخلاصه لفنّه وجمهوره ووطنه ، إضافة الى استذكار الناس العاديين له في الكويت والدول العربية. ولا أنسى استذكارنا له من خلال ما قدّمه على المسرح وفي التلفزيون ،حيث سكن ذاكرتنا وتغلغل في وجداننا وكبر مع ضحكنا وأحلامنا، وكل هذا كان بسبب صدقه في كل شيء وبساطته ونكران ذاته وإخلاصه للناس والوطن !!
فالصدق يعطيك حافزاً قوياً للعمل وتقديم ما هو أفضل ،إضافة الى السكن في قلوب وذاكرة الآخرين !!
هذا الاستذكار جعلني استعرض ما مرّ بنا خلال السنوات التي تلت 2003 من هزّات عنيفة، أولاها الطائفية البغيضة والمحاصصة الممقوتة اللتين لعبتا دوراً كبيراً في استشراء الفساد والخراب والمؤامرات التي ادت ومازالت الى سفك دمائنا لا لأجل شيء سوى انتفاع البعض واستئثارهم بالكراسي المتهاوية لغرض رفع نسبة أرصدتهم في البنوك والمصارف العالمية!
كنّا نمنّي النفس بسقوط النظام الفاشي ليزدهر البلد ويعمّ الخير والرخاء والأمان ، فما أن سقط الى غير رجعة حتى جاءنا أناسٌ لم يكن الصدق ضمن قاموس أعمالهم أبدا. لقد سرقوا الأخضر واليابس، وانتشرت الجريمة والبغضاء بين الناس، وانقسم البعض على نفسه ، واستشرى الفساد في كل مفصل من مفاصل حياتنا. والغريب في الأمر أنهم يُفسدون ويسرقون ويصوّرون ان هذا من حقّهم ، وتراهم يمتلكون من الصلافة والوقاحة والاستهتار بمشاعر الناس حداً لا يوصف ، فيخربّون كل شيء من خلال تعاملهم غير النزيه وبحثهم عن السحت و»حصّتهم» في كل مشروع عمراني، ما يجعل هذا المشروع وذاك متلكئاً. وبعد أن تنكشف ألاعيبهم وتفوح رائحة فسادهم وزيفهم، يدّعون إنها بسبب الآخرين الذين يعارضونهم دائما. والآخرون هم مَن تصدّى ويتصدّى للفساد مطالباً بإصلاحه منذ اللحظة الأولى. كما انه كلما سقط احدهم في حبائل غيّه وانكشفت نواياه وفاحت رائحته سهّلوا له مخرجاً ليهرب بالجمل وما حمل ، وغضّوا الطرف عنه ليُشغلوا الناس بأمور أخرى وحكايات أكثر فسادا. وعلى هذا المنوال ضاع البلد وخيراته بين هذا وذاك من المنتفعين الفاسدين!
هؤلاء لم يدر في خلدهم إنهم سيمضون مثلما مضى قبلهم مَن كان أعتى واشد طغياناً وفسادا ، وسينساهم الناس ولن يتذكروهم إلاّ باللعن والاشمئزاز، وستمر حياتهم مرور السحاب بلا مطر، تطوحهم رياح النسيان ولن يبقى لهم ذكر أبدا. وسيعمّ الوطنَ الخيرُ والأمان وترفرف السعادة على رؤوس الناس وتشيع المحبة في قلوبهم، ما زال هناك أناس حملوا الوطن والناس بين جوانحهم حقاً وصدقاً ، وضحّوا وسيضحّون بالغالي والنفيس من أجل حريتهم وسعادتهم!