اعمدة طريق الشعب

بين الفكرة وتنفيذها / قيس قاسم العجرش

هذه واحدة من أقدم الجدليات بين الناس: هل أن الفِكرة تحملُ أخطاءها معها؟ أم ان العيوب ظهرت أثناء التنفيذ؟.
وهذه الجدلية تستخدم عادةً باتجاهين، الأول هو محاولة إدانة الفكرة ذاتها. ومحاولة إعفاء المُنفّذين من مسؤوليتهم.
(تتذكرون حين بَرّر رئيس الوزراء السابق تشكيل حكومة من 48 وزيراً؟ وهي الأكثر عدداً في تاريخ العراق. كان التبرير بأن»فكرة»المُحاصصة مازالت تسيطر على الكُتل السياسية التي ترغب بأن يكون لها وزراء في الحكومة).
والإتجاه الثاني، هو محاولة إعفاء الفكرة من هنّاتها ونقاط ضعفها، في مقابل مُحاولة إدانة المُنفّذين وتحميلهُم المسؤولية كاملة.
(مثال ذلك القول بأن قوانيننا العراقية رائعة ومُنصفة ومتطوّرة إلّا أن الجهاز الحكومي يسيء استخدامها ويسيء فهم صلاحياته في العادة، والنتيجة أداء سيّء).
هل يمكن لنا أن نجرّب القول:بأن كلا الإتجاهين لا يمثّلان الحقيقة المُفترضة؟ وأن الحال على أرض الواقع هو خليط من كلا التفسيرين للتفريق بين الفكرة والتنفيذ؟
في الحقيقة أن الفكرة التي لا تأخذ بنظر الإعتبار قلّة الخبرة لدى المُنفّذين وسوء نوايا البعض منهم، هي فكرة غير واقعية، ولا تحيط بالإحتمالات كافة. الفكرة عليها أن تدرك من اللحظة الأولى لولادتها بأن الحكومة ليس لديها كادر من الملائكة يعمل في اجهزتها، إنما هُم مجموعة من الأشخاص الطبيعيين الذين يظهر من بينهم(بنسبة طبيعية) عدد من منتهزي الفُرص، أو الفاسدين، أو الذين يبتغون الأشياء عوجاء.
في الحديث عن الحَوكمة الأليكترونية(جباية الأموال والأجور عن طريق ألكتروني، كذلك دفع المدفوعات المالية للحكومة عن طريق ألكتروني)، يبرز لدينا نفس الجدل. هل سيكون البرنامج الحاسوبي غير دقيق؟ أم أن القائمين على إدارته سيحاولون إجهاض هذه الفرصة؟
لنفهم ابتداء أن الحَوكمة الألكترونية (ستنتزع) بعض السلطات من العاملين(الموظفين الحكوميين)، وتمنحها للبرنامج الألكتروني كي يقرر بدلاً منهم.
هذا يعني ان علينا أن نتوقع مقاومة من قبل الفاسدين لهذه»الفكرة». لأنها تنزع من أيديهم مصدر عيشهم الطفيلي على افرازات الفساد.
وهؤلاء(المتضررون!)سيسعون بكل جهدهم الى إفشال عملية الحوكمة الألكترونية.
اذا لم تدرك»الفكرة»الأساسية هذه المخاطر، فإنها فكرة منقوصة.
ولو نصبت الأجهزة الحكومية عدادات نظامية تعمل بالبطاقة الألكترونية مسبقة الدفع لاستهلاك الطاقة الكهربائية، فان علينا أن نتوقع ظهور من سيحاول (تجاوز) هذا النظام.
نعم، نحن نحتاج الى (مُفكرين) في مجالات الهندسة، والنقل، والخدمات، والإدارة.
مفكرون يفكرون في وضع العقبات أمام الفساد، لا أن (يفكروا) في التعايش مع الفساد، كما يحدث الآن!
هذا هو الفرق بين التكنوقراط الذي تنتجه الأفكار الناضجة، والتكنوقراط الذي تنتجه المحاصصة الطائفية الفاسدة..هذا هو الفرق باختصار.