اعمدة طريق الشعب

تسعيركم الشلغم أثلج صدورنا! / مرتضى عبد الحميد

عندما تصل العملية السياسية الى طريق مسدود، او تتعقد بحيث لا يرى الشعب بصيصاً من الضوء في نهاية النفق، يتفجر بركان النكتة السياسية تعبيرا عن معاناة هذا الشعب وتجسيداً لواقع حال، يجر خطاه المتسارعة نحو الهاوية كما يجري الآن في العراق.
ان المثل المعروف «شر البلية ما يضحك» يكرسه في الظرف الراهن باقتدار مساوٍ لاقتدار القائد الضرورة، العديد من نوابنا «الفلتة» بتصرفاتهم ومواقفهم السياسية وغير السياسية المعادية للضمير وللكرامة والاخلاق.
وآخر فضيحة لهذا النفر الضال من «ممثلي الشعب» هي شراء الذمم بأبخس الأسعار، رغم ان بينهم من هو غالي السعر، ومتوسطه ورخيصه، الا انهم جميعا في المطاف الاخير، ارخص من شروى نُقير.
وشراء الذمم لا يقتصر على الاستجوابات البرلمانية التي تحولت الى لعبة «دمبلة» وتصفية حسابات بين ابناء الكار الواحد، وهو كار لا يشرف احداً ابداً، لأنه يستند الى عملية اشبه بالمزاد العلني، اي ان من يدفع سعرا اعلى يصوت النائب له، او يسحب توقيعه ليفشل الاستجواب، وبالتالي لا يستطيع المُستجوِب مهما كانت نيته صافية، واسانيده واثباتاته كافية، ان يستجوب المسؤول وزيرا كان ام وكيلا ام مديرا عاما ام نائباً، حتى لو كانت رائحة فساده تزكم انوف المصابين بأنفلونزا الخنازير!
لقد فعل مجلس النواب حسنا هذه المرة، بإحالة قضية خطيرة من هذا النوع الى القضاء بعد ان فشلت اللجنة التحقيقية التي شكلها في كشف ولو جزء بسيط من الحقيقة، كما هو حال العشرات والمئات من اللجان التحقيقية السابقة، رغم ان ملفاتها متخمة بقضايا الفساد التي تواطأ الفاسدون على إبقائها طي الكتمان لكي تزدهر تجارتهم ويواصلون هوايتهم المفضلة في نهب المال العام وافقار البلد.
في العهد الملكي المباد، أقدمت الحكومة على تسعير مادة الشلغم دون سائر المواد الغذائية التي يحتاجها المواطنون حاجة ماسة، بل ضرورية، وفي حينها بادر احد الظرفاء الى ارسال برقية تهنئة الى رئيس الوزراء آنذاك يهنئه فيها على تسعير حكومته للشلغم، فذهبت مثلا بين العراقيين.
المضحك المبكي في هذا الزمن الرديء ان التسعيرة وصلت الى اعضاء مجلس النواب، فهل يمكن مقارنة رأس احدهم برأس الشلغم، ام ان الاخير اهم واغلى؟ وصدق من قال لا تفرح ان لك رأسا فللدبوس رأس ايضاً.
بيد ان السخط الشعبي قد تضاعف إثر هذه الفضيحة وتحولت كلمات وتعليقات المواطنين في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الى شواظ من نار تلهب ظهور المرتشين وكل من يتستر عليهم.
آن الاوان اذن ان يتحول هذا السخط والتذمر والادانة الى فعل ارقى يتمثل في المشاركة النوعية في الحراك الجماهيري الذي اعاد الى الاذهان امجاد الشعب العراقي، واسترد من خلاله كرامته المهدورة، فضلا عن المشاركة النوعية ايضا في الانتخابات القادمة، لتغيير هذه الوجوه الكالحة، واستبدالها بعاشقي الشعب والوطن، وذوي الايادي البيضاء.
فهذا هو الطريق ولا طريق غيره.