اعمدة طريق الشعب

حكاية من بلد الغرائب والعجائب / فاروق بابان

قضى عمراً في سلك التعليم.. يربي ويعلم وينشئ اجيالاً، مرت سنون عجاف، حصار، فقر، ضغوط سياسية، ومن أجل تجنب تلك الضغوط، أحال نفسه الى التقاعد، واكتفى بافتتاح «بسطية» متواضعة على قارعة الطريق، يبيع فيها بعض السلع الرخيصة بغية إعالة عائلته الكبيرة.
بعد سقوط النظام استبشر خيراً، شأن غيره من العراقيين، فقدم طلباً لاعادته الى وظيفته في التعليم. تمت الموافقة وعاد إلى الخدمة واستمر فيها حتى أحيل الى التقاعد لبلوغه السن القانوني واستكمال المدة.
رأيت صاحبي هذه المرة غاضباً، تعباً تقرأ حزناً كتوماً على صفحات وجهه. ربما من كثرة المراجعات لاستكمال اجراءات الاحالة على التقاعد. هذا ما خطر في ذهني.
قلت لصاحبي: ما بك؟ أراك قلقاً. أين تكمن العلة؟
اجابني قائلا «حين راجعت دائرة التقاعد فوجئت بقول الموظف المسؤول: انت متوفي.. ومنذ وقت بعيد! قلت للموظف «هذا آني بشحمي ولحمي، أتابع معاملتي التقاعدية».
وأضاف صاحبي بالقول: استغربت وفوجئت أكثر حينما بادرني الموظف بالقول «عمي منذ زمن يستلم راتبك التقاعدي شخص آخر لأنك متوف!».
لم استغرب لما سمعته من صاحبي. فقصته تكشف عن جانب من الفساد الإداري الواضح، الذي يضيف ملفات جديدة إلى الأطنان الهائلة من ملفات الفساد.
أهكذا يجازى إنسان أفنى زهرة عمره في تربية وتعليم النشء وتخريج الأجيال؟
لا غرابة.. فالفاسدون والطائفيون جعلوا من العراق بلد عجائب وغرائب!