ادب وفن

جمعة المتنبي.. عرس ثقافي لا يخلو من الطارئين / ساره نجم الجبوري

"المتنبي" شارع من شوارع بغداد الأدبية، وهو صرح من صروحها الثقافية المهمة، في كل صبيحة جمعة يجمع مثقفي العراق بغض النظر عن الطائفة أو الدين أو العرق، يرتاده الكثير من الأدباء والمثقفين والصحفيين والشباب، فيما تفتح بعض المنتديات أبوابها لإقامة الأصبوحات احتفاء بشاعر، أو توقيع كتاب جديد لأحد الكتّاب.
تفترش أرصفة المتنبي على كلي الجانبين الكتب المتنوعة، القديمة أو الصادرة حديثا، كما تكتظ كل مكتباته بنفائس الكتب والمجلدات والمراجع المهمة، لتضيف الى صورة الشارع بهاء وجمالا، وفيما شكّل هذا الجمع ظاهرة أدبية لفتت أنظار الآخرين، اختلف المثقفون الذين يزورون المتنبي في توصيف حضور هذه المجاميع الكبيرة التي تزداد يوما بعد يوم، وبينما وصف البعض أصبوحة الجمعة في شارع المتنبي بأنها خُلق ثقافي راكز في الذاكرة العراقية الثقافية؛ فبها نكون إزاء الكتاب واللقاء الثقافي والمراجعة والتلفزيون والنشاط المسرحي والأكاديمي بكل أشكاله، وزاد آخرون على أن حقيقة هذا الشارع في كل جمعة هذا ما يقوم به من دور مهم يلعبه وهو ان يجر أرجل الشباب والعائلات إلى مناطق الثقافة، ألمح البعض الآخر بأن المثقفين العراقيين بشكل عام، ورغم حضورهم الفاعل في هذا الشارع، إلا أنهم مازالوا يغردون خارج السرب من دون إستراتيجية فاعلة حيوية، وأنهم يكتفون بما يقدمونه من انجازات في الفن والإبداع، لكنهم لا يتمتعون بثقافة النقد ولا بعضوية الانتماء على الرغم من حاجة العراق إليهم في المرحلة الحالية، كما قال آخرون إن بعض التجمعات تشبه إلى حد ما مشاهد قديمة كانت تحدث في تسعينات القرن الماضي عندما كان يتفق الشاعر والناقد، على مشروع مشترك، فهذا يكتب قصيدة وهذا يحللها ثم يجلسوا في اليوم الثاني في كازينو "حسن عجمي" ليسخرا من القصيدة والتحليل معا!.
ومع هذا يرى الكثير أن هذا التواجد هو بادرة خير للثقافة، من شأنها تفعيل وصناعة رأي عام ضاغط باتجاه القرار السياسي ولو بعد حين.
بعض باعة الكتب من جانبهم كشف عن أسرار مبيعاته قبل وبعد سقوط النظام.

لا بد من التواصل مع جمعة المتنبي

الشاعر الدكتور حمد محمود الدوخي قال: جمعة المتنبي هي نهار ثقافي تنشيطي للحراك الثقافي العراقي، وهي خُلق ثقافي راكز في الذاكرة العراقية الثقافية؛ فبها نكون إزاء الكتاب واللقاء الثقافي والمراجعة والتلفزيون والنشاط المسرحي والأكاديمي بكل أشكاله، إذ تلتقي بها "أعني بالجمعة" بكل الأطياف الثقافية العراقية، لذا يتوجب على المثقف العراقي أولا وعلى المسؤول الثقافي ثانياً صيانة هذه العرس العراقي، وعلى المثقف ان يتواصل معه بالحضور والمساندة ثقافياً، وعلى المسؤول أن يقدم له ما بحوزته كأن يجتهد على توسيع مكانه "أعني الشارع"، لأنه صار مطلباً واضحاً فالمكان لم يعد يكفي للمتوافدين .. وشكراً لطريق الشعب المهتمة دائماً بالشأن الثقافي العراقي.
وقال الشاعر مروان عادل حمزة: هذا العراقي المحارب، العراقي المختنق بموروثاته، المعبّأ الآن بكل خزعبلات السياسة والأعلام، يثبت في هذا الشارع الذي بمجرّد ما أحس بضوئه وأنصت لصوته اثبت انه يمكن ان تسحبه الثقافة إلى أقصى مدياتها، وهو مهيّأ تماما لأن يلج شوارع الثقافة ويسارع للتضحية ببقيا راحته القليلة جدا في سبيل الذهاب الى مناطق النور.
وأضاف: أتمنى أن يتفرّع شارع المتنبي لتمتدّ ذراعاه إلى جميع جوانبه لتصبح منطقة المتنبي واحة إبداع وحوار وتفاعل، وشخصيّا يعجبني جدا أن أرى وجوها شبابية لا علاقة لها بالإبداع كتخصص في شارع المتنبي، والحقيقة هذا هو الدور الأهم الذي يجب أن يلعبه هذا الشارع ومثقّفوه وهو أن يجروا أرجل الشباب والعائلات إلى مناطق الثقافة.

يغردون خارج السرب!

يقول الدكتور عبد جاسم الساعدي، الأمين العام لجمعية الثقافية للجميع ورئيس تحرير مجلة السؤال: إن الوضع الثقافي في العراق لم يعد بالمستوى المطلوب، فهو يواجه تحديات كبيرة ويواجه خمولاً عاماً وهذه إحدى المضاعفات التي يواجهها الأديب أو المثقف، وبعضهم لديهم مؤثر سلبي إلى حد كبير فهم يبحثون عن المال والمنافع الشخصية، مشيرا إلى أن العراق يواجه أزمة يفتقر بها إلى الثقافة النقدية وأضاف: المثقفون العراقيون بشكل عام يغردون خارج السرب من دون استراتيجية فاعلة حيوية، انهم يكتفون بما يقدمونه من انجازات في الفن والابداع لكنهم لا يتمتعون بثقافة النقد ولا بعضوية الانتماء، لذا نحتاج الى تفعيل المنظمات الثقافية والاشتغال لبناء ثقافة نقدية وتغيير المناهج وطرائق التدريس وخلق بيئة تربوية ومدرسية جديدة.
الأستاذ هادي جلو رئيس مرصد الحريات الصحفية من جانبه يقول: إن أغلب النشاطات السياسية والثقافية هي بمثابة استعراض لا قيمة له، وشارع المتنبي هو سوق لبيع الكتب والتجارة، وتجمع "البعض" يذكرني بتسعينات القرن الماضي عندما كان الشعراء يتفقون مع أصدقائهم النقاد، وبعد أن ينشر الشاعر قصيدته في صحيفة "القادسية" يقوم صديقه الناقد بالاتفاق معه بنشر دراسة تحليلية للقصيدة التافهة ثم يجلسان في اليوم الثاني في كازينو "حسن عجمي" يلعبان الديمينو، ويحتسيان الشاي ويضحكان على القصيدة والتحليل!.
واستدرك جلو قائلا: لكن هذا لا يلغي ان هناك أملاً في تفعيل الثقافة.. فما دام هناك حراك هناك أمل وثقافة ولو على المستوى البعيد.

شارع للمباهاة

يقول الصحفي ابو فراس الحمداني: ان شارع المتنبي اصبح ساحة للتباهي، فما دام هناك صور "للفيس بوك" وللفضائيات والصحف، فهناك رواد يأتون من أجل هذه الأشياء وهم يتباهون ورسالتهم تقول هاأنذا موجود بين المثقفين وأشتري الكتب وأظهر في الفضائيات!.

قلّ شراء الكتب

خالد العزاوي، رئيس تحرير مجلة المنتدى الأدبي، ومن الرواد في بيع الكتب، قارن وبالأرقام بين حقبتين من الزمن بقوله قبل عام 2003 أي قبل سقوط النظام، كان للكتب أهمية كبيرة في حياه المثقف والشاب ففي الأسبوع الواحد تباع الكثير من الكتب، لكن في الوقت الحالي قل شراء الكتب أو بالأحرى أصبح منحصرا على شراء كتب معينة منها العشائرية والسحر والجنس والأبراج وتفسير الأحلام، وان احد الأسباب التي أدت إلى إهمال الكتب وعدم شرائها بشكل كبير هي هجرة بعض عمالقة الأدب والثقافة إلى خارج العراق بسبب الأوضاع الأمنية التي أثرت تأثيرا سلبيا على القارئ.
إلى ذلك قال محمد الجاسم وهو أحد الشباب المصورين في شارع المتنبي: ان بعض الشباب الذين يزورون شارع المتنبي يهمهم الظهور والتصوير ويترددون لأسبوع، متوقعا أن يعود شارع المتنبي بعد 4 أو 5 سنوات كما كان في السابق شارع المثقفين والأدباء وليس للظهور فقط، مشيرا إلى أن أكثر الكتب مبيعا هي كتب الطبخ وتفسير الاحلام وهذا دليل على أننا أمة للأسف تأكل وتنام.

مصائب قوم عند قوم فوائد!

اجمع أصحاب المصالح والكسبة والمطاعم الذين يتواجدون في شارع المتنبي على أنهم في ايام الجمع بالذات تكاد تكون أرزاقهم كبيرة وان مبيعاتهم تفوق الأيام العادية على الإطلاق وتمنوا ان لا تقتصر التجمعات على يوم الجمعة بل تمتد لجميع أيام الأسبوع.