ادب وفن

الروائي عبدالباقي يوسف يتحدث عن "هولير حبيبتي" / حوار: عبد الستار إبراهيم

تشير صفحات السيرة الذاتية للقاص والروائي السوري عبدالباقي يوسف، إلى انه من مواليد مدينة الحسكة بسوريا 1964، صدرت له مؤلفات سردية عديدة، فضلا عن العديد من المؤلفات والأبحاث في مجال ثقافة الطفل، والنقد، والثقافة الإسلامية.. نذكر منها على صعيد الرواية: خلف الجدار، الآخرون أيضا، بروين، روهات، جسد وجسد، أما على صعيد القصة القصيرة، فله: سيمفونية الصمت، الحب في دائرة العبث، طقوس الذكرى، وكتاب الحب والخطيئة، وفي مجال النقد صدر له كتاب ضمن سلسلة كتاب المجلة العربية، حمل عنوان: (حساسية الروائي وذائقة المتقلي) فضلا عن ان له توجهات كتابية في مضمار الثقافة الإسلامية، حيث صدر له في هذا النهج: رواية (إمام الحكمة) وهي تتناول سيرة لقمان الحكيم روائيا، ثم فقه المعرفة (اسلام ومسلمون وفقهاء) وهو بثلاثة اجزاء، صدر عن "دار المنارة بيروت" 2004.
ولقد نال الروائي العديد من الجوائز الأدبية عربيا، نذكر منها: جائزة منظمة كتاب بلا حدود (عراقية) سنة 2012وجائزة دبي الثقافية للرواية سنة 2002، جائزة ناجي نعمان للرواية في لبنان)، اما آخر نتاجاته، فهي رواية (هولير حبيبتي) الصادرة عن "دار نشر التفسير في اربيل"، وبهذه المناسبة كان لنا معه هذا الحوار القصير..

يهمنا كقراء معرفة الأسماء الأدبية التي أثرت، وساعدت على تبلور شخصية الكاتب عبدالباقي يوسف؟

كما تعرف، فان القراءة عملية معقدة وتراكمية، فالأديب وبعد رحلة طويلة مع القراءات المتنوعة التي هي ولع وشغف قبل كل شيء، يحتار في مسألة تحديد الأسماء المبرزة التي أثرت على مسيرته.. فكلما يقرأ المرء أكثر، يكتشف كتابات هامة سواء كانت لأسماء معروفة لا يتمتع أصحابها بالشهرة، لكن ثمة أعمالاً أدبية أساسية وعظيمة في التراث الأدبي الإنساني لا يمكن المرور عليها مرورا عابرا، مثل أعمال: تشارلز ديكنز، كامو، تولستوي، دستويفسكي.. كذلك ثمة أسماء مثلت الأدب النسوي خير تمثيل، منها: شارلوت برونتي، اجاثا كريستي، فرجينيا وولف، وليس انتهاء بازابيل الليندي. كل كاتب من هؤلاء اخذت منه شيئا هاما، واعده مرجعا لي في العديد من شؤون الأدب والحياة، نزعة البير كامو الإنسانية جعلتني أقرؤه بشكل مركز كذلك تشاؤم فرانز كافكا واضطراب ميشيما، وسحرية ماركيز الواقعية، وحكمة توني موريسون، وضوضاء فرانسوا ساغان، ومكتشفات المركيزدي ساد، وتجارب اقطاب الرواية الفرنسية الجديدة (التي لم تعد جديدة بفعل تقادم الزمن) وآداب القارة الاوربية عموما.

انت من الكتاب غزيري النتاج على صعيد السرد، والمقالة الادبية، وحتى الصحفية.. كيف توفق بين كل ذلك؟

الكتابة والقراءة ، عملية تكاملية تناغمية، تندغم الواحدة بالأخرى.. بالنسبة لكتاباتي الصحفية فانها تأخذ شيئا من التركيز بالنسبة لي، وتكون عادة ضمن مسار محدود، وهي .
إنني كثير القراءة، وعادة ما أضع خطوطا تحت الجمل اللافتة لأعود إليها كمراجع عند الكتابة، مع الإشارة إليها، وهكذا ترى أن العمل يولد غنيا في كافة جوانبه، أحيانا تستغرق عندي كتابة مقالة مؤلفة من خمس صفحات، شهرا كاملا من البحث والتنقيح والاطلاع على المصادر المساعدة، بمثل هذه الطريقة يغتني المقال الثقافي، والعمل الروائي بالقراءات المتنوعة بداهة، حيث يجعل ذلك المؤلف يكتب بثقة، وانطلاق، وخبرة متراكمة.

ما الذي شكلته لك هولير: كمكان، تأريخ، ميثيولوجيا، وحاضر.. لا سيما وانك تقيم فيها منذ حوالي العام؟

لا اخفي عليك، ان غالبية الدول العربية، وبعض الدول الأجنبية كانت مفتوحة أمامي بعد مغادرتي سوريا نهاية العام 2012 للإقامة فيها مع وجود فرصة عمل هناك، إلا أنني أثرت الإقامة هنا في اربيل لأنني رأيتها فرصة ربما وحيدة - كي أعيش في إقليم كردي، وأتعرف عن كثب على مزايا المدينة، كما انني تفرغت للقراءة والكتابة كما لو انني في اجازة طويلة.. هنا أمكنني أن استمتع بمشاعر قوميتي الكردية، ناهيك عن عذوبة القراءة باللغة الأم (الكردية) من جانب آخر، لا أخفيك إنني لم اكن أتخيل انني سأتعلق بمدينة هولير كل هذا التعلق، لذلك ترسخت لديّ قناعة ان هولير تأبى في حبها وجود شريك ثان.. فاما ان تحبها كل الحب، او تبقى دون ذاك الارتقاء في درجات الحب! هولير لا يمكن لاحد ان يمثلها او يكون وصيا عليها، انها تمثل نفسها بنفسها، لذلك لم اشأ، بل لم اكن قادرا على ادخال بطلة الى رواية (هولير حبيبتي)، وخلت ان ذلك شكل من اشكال الخيانة معها، انها المرة الاولى ربما التي تخلو فيها رواية من بطلة تقف الى جانب البطل، وتكون المدينة هي البطلة التي تتجسد بهيئة صبية جميلة ترتدي العلم الكردي (علم كردستان) وازاء حال كهذا، فالاقليم يمثل لي نواة اقامة دولة المستقبل.. دولة الحلم المضيء. وهذه هي بعض خصوصية (هولير حبيبتي) التي جسدت عبر احداثها وفضائها العام، إرهاصات الأمس القريب وانتفاضة 1991، وبطلتها التي تلتفع بالعلم زيا مطرزا بصفرة الشمس، وتحمل اسم كل شارع وزقاق، وترمز لتأريخ ومستقبل هولير التي ما فتئت أتعامل معها كذاكرة كردية وإنسانية، واعدها اكبر من مجرد مكان ومثيولوجيا.

ماذا عن طقوس الكتابة لديك؟

كل ما يحتاجه الكاتب عادة، هو الهدوء التام أثناء العمل، بالطبع، هذه ليست قاعدة عامة وحتمية، فثمة من يجد متعة في التأليف حتى وهو وسط أجواء مقهى شعبي، بالنسبة لي أثناء الاندماج في الكتابة، ابعد كل ما يسبب الضوضاء: الأطفال، جهاز التلفاز، الهاتف.. نعم، كل ذلك بمثابة قطيعة عن العالم، وادخل في حالة سحرية التناغم.. وعندما أنجز فصلا او أكثر من رواية، اقوم بقراءته بصوت مرتفع تارة، وبصوت هادئ تارة أخرى، أعيد قراءته في الصباح، او في منتصف الليل، وفي النهاية عندما اسلم المخطوطة للمطبعة اشعر باضطراب وقلق غريب، اذ ستصبح في عهدة غيري، وهذا ما يسبب احساسي بغصة يصعب تفسيرها.

ما الذي يشغلك الآن؟

بدأت أضع خطوطا أول لمسودة الجزء الثاني من رواية (هولير حبيبتي) سأحتاج إلى كثير من الوقت للمباشرة في العمل، كما تعرف، هناك مرحلة وضع المخطط العام، وخريطة المكان، ثم مرحلة تقسيم الزمن، تليها مرحلة وضع اسماء الشخصيات الجديدة... عندها سأباشر بكتابة المسودة التي ستكون بمثابة الهيكل الذي سيكسوه اللحم رويدا رويدا.
نتمنى لك الموفقية في اربيل التي وصفتها بحاضنة المبدعين والملاذ الآمن.
وبدوري اشكر الجميع.