ادب وفن

الـ "بووووو" التي ضاعت! / فلاح شاكر

لا أعرف لماذا أشعر بالأسى لفقدان عادة لازمتني منذ نهاية السبعينيات وكانت تثير غضب أو فزع أو وجع والأغلب فرح أصدقائي ... لا أحد يكون من معارف فلاح شاكر سواء صديق مقرّب أم معارف أم أقرباء أم حتى عابرين في المعرفة أو الطريق إن لم تصبه شظايا هذه العادة التي أورثتها لزمن أولادي أيضا...
"البووووو" في لحظة عادة ما تكون استرخاء وكلّ ما حولك يشير إلى اطمئنان فجأة وبدون مقدمات وبحركة جسد مع صوت عال أصرخ بوووووو... لا يمكن إلا يفزّ أي احد مهما كان وأتحدى أي شخص من أصدقائي وخاصة الفنانين والأدباء يقول لم يفززني فلاح شاكر ...شعرت باهانة كبيرة لان بعضهم قال ببرود: لم افزّ أبقى لأيام أفكر وأجيّش أشخاصا واصرف مبالغ من الأموال لأهيئ له بوووو جديدة لا يعترف فيها بالفزع بل قد يزعل مني ...ودائما ما تكون هذه البووووو عفوية دون تخطيط ولكن اختيار اللحظة المناسبة هو نوع من الالهام ..فمن غير المعقول انّك وأنت تصعد الطابق الثالث من عمارة مع صديق وتجعله يكاد يرمي نفسه من الدرج وأنت تحذره من سيارة قادمة ..نعم والله الكثير من أصدقائي من الخوف فعلا شعروا من ردة فعلي ان هناك سيارة ونحن في الطابق الثالث ...واجمل لحظات البووو تلك التي تصدقها أنت نفسك ..اذكر مرة وأنا بالكاد أسير إذ الأم الفقرات نزلت على رجلي وكنا نسير أنا وأخي علي والصديق المبدع حسن متعب في الباب الشرقي تحديدا نهاية شارع السعدون المؤدي إلى ساحة الطيران وكان يوم جمعة فاغلب من يبيعون افترشوا على الأقل عشرة أمتار من الشارع العام وكنت أكزل بالمشي ونحن نتفحص ما يعرضه الناس وهناك شاهدنا القاص الصديق محمد مزيد وكان في هذا الحر يرتدي "قاط" واستوقفنا بحيث توسطنا انا وحسن وظهره لساحة "الأمة" وحسن على جهته اليمنى أي ظهره لجسر الجمهورية وانا مقابل حسن اي وجهي باتجاه الجسر وبدأ يتحدث بصوت واطئ عن مهزلة انتخابات الصحفيين وكيف رفض عدي صدام الترشيح ثم الترجي ثم طبعا هو يهمس بإذننا ويقربنا منه اذ وضع ذراعيه على رقبة كل واحد منا وفجأة مع مرور صوت باص بعيد صرخت بفزع : "ديروا بالكم" .. طبعا ركضت ولا أي عدّاء رياضي نحو الرصيف متخلصا من يد محمد بذعر .. طبعا هي عشرة أمتار تقريبا ولكني أقسم بالله وحياة أولادي أن سترة محمد مزيد من الخلف قد حلّقت في الهواء بهذا الصيف، أما حبيبي حسن متعب فقد وصل قبلنا الى الرصيف.. ما ان وصل محمد مزيد للرصيف حتى استند الى الحائط ماسكا قلبه من الرعب وهو يرى ضحكي، قال وهو يلهث:" عود انته كاتب ومأخذ جوائز انعل أبو اللي انطاك اي جائزه"... أما أبو احمد الغالي حسن متعب قال وهو يلهث:" كان لازم اصدق انه هناك كارثة قادمة الينا اذا فلاح شاكر يركض مثل غزال لعد اشكد الخطر والمصيبة كبيره" ... طبعا بعد هذا الموقف لا بد ان ينتهي بترضية ولكن نبقى لزمن طويل نذكره ونبتسم ... لا أحد من أصدقائي قط فلت من هذه "البوووو" في سنة 2000 كنت في المغرب وبالصدفة حصلت على تلفون صديقي باسم قهار في سوريا كم كانت فرحتنا معا اذ منذ سنوات لم نتبادل المشاعر وامنيات الصوت حين عدت لدمشق عائدا الى بغداد اتصلت به فجرا وكان الثلج يلغي الرحلات حتى في الداخل لكنه اصرّ على المجيء، اعطيته العنوان وكان معي توأم روحي ابو مروان والفنانة عواطف السلمان واختها وبعض معارفهم الشباب الرائعين ومعهم كاميرا فديو وحين أحسست ان باسم قادم جعلتهم خلف الباب وما ان وضع إصبعه على الباب قبل حتى ان يرنّ جرس الباب وفي هذا الفجر فتحت الباب بسرعة وضوضاء وانا اصرخ بصوت عال جدا: بووووووو .. طبعا "باسم" لم يفزّ بل استدار هاربا يركض وأصدقائي خلفه يصورون وبعد مسافة، بعد ان اقتنع ان كل شيء طبيعي قال لاهثا: في الطريق كم تذكرت مواقف رائعة بيننا زادت من شوقي لك لكني لا أعرف لماذا نسيت البووووووو ... ثقوا انها ليست كتابة لتذكر مزحات بل وجع احتلّ مزحاتنا...