ادب وفن

في الشعرية التفاعلية الرقمية / علوان السلمان

النص الأدبي تعبير عن رؤية كونية يحققه نتاج "الشاعر" برؤاه التي تمنحه التميز والنفرد والشعرية العراقية السباقة في الريادة ابتداء من شعرية التفعيلة ومرورا بالنثرية الشعرية وانتهاء بالقصيدة التفاعلية.. الرقمية التي تعد تجربة حداثوية تكشف عن تطور في شكل النص الشعري الذي طغت عليه المعلوماتية فتحول من رسم لفظي على الورق الى تفاعلي..

رقمي على الشاشة الكمبيوترية الزرقاء بتداخل الصورة والصوت والكتابة.. والتي كانت ولادتها نتيجة حكمية لما أفرزته الحضارة من تقنيات إبداعية كان في مقدمتها التقنية الحاسوبية التي أسهمت في تطوير القدرات الذهنية والإبداعية التي كان من نتائجها ولادة الأدب التفاعلي.. الرقمي أو ما يوصف بالأدب الالكتروني أو التكنولوجي الذي ولد في رحمها وصار لسان الوجود للتواصل في عصر المعلوماتية التي أسهمت في نشره وانتشاره من خلال الشبكة العنكبوتية التي لملمت شتات الوجود الإنساني وجعلت منه قرية صغيرة.. تمخض من رحمها متجاوزا كل الإشكال الشعرية المألوفة لولادته وسط عوالم التطور الالكتروني ومعطياته المنحصرة فيما طرحته الآلة الرقمية الشبكية "الانترنيت".. والذي يحتاج إلى صياغة تنسجم والإمكانات التكنولوجية بحيث يستثمر كل آلياتها وتوفير البرامج المحققة لكتابته من اجل توصيل إبداعه وتفاعل متلقيه معه محققا المتعة والمنفعة.. بالرغم من الصعوبات التي يلاقيها المتلقي لهذا النمط الإبداعي الفني الذي يستند إلى التقنية الحديثة في تحقيق حضوره الذي يتطلب إشغال الفكر للتصدي للصعوبات التي تكمن في قراءة دلالة الألوان والأشكال التي تفرض معرفة بتعالقاتها الرمزية... فضلا عن مشروطيته في التأويل والإبحار.. أي "الانتقال من نافذة إلى أخرى بوساطة المؤشر والتشكيل والكتابة..".
القصيدة التفاعلية.. الرقمية تجربة تعبر عن تطور في شكل النص الشعري وجنسه بتحويله من نص ورقي جامد إلى نص تفاعلي.. رقمي.. تتداخل فيه اللفظة والصورة والصوت العلامــة الدلالية التي تــولد المعنى بتناغـــمها وبقية العناصر " اللفظ/ التشكيل/ الموسيقى/ البرمجة الحاسوبية.."، والتي تنتظم وتشكل البناء النصي الذي هو هاجس التواصل الشعري عبر الوسيط الالكتروني ومسايرة التطور الحضاري وتطبيقاته التي تخضع التكنولوجي لسلطتها وتكييفها لرؤية المنتج بترتيب هرمي يعتمد:
الصورة "المتكئة على حاستي البصر والسمع.. والتي تسيطر على عناصر النص بنطقها وحركتها..". فالألفاظ والروابط التي تشكل نصا مرئيا مركبا متداخل العناصر الفنية الممنهجة برؤيا حداثية تمنحه فرصة التحديث من خلال تزويده بتقنيات زمكانية وصور متحركة.. لذا فهي تشكل نمطا من الكتابة الشعرية الذي لا يتجلى إلا في الوسط الالكتروني معتمدا تقانة المدونة الرقمية التي لا يمكن متابعتها إلا عن طريق الحاسوب واعتماد التقنيات التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة على حد تعبير الناقدة التفاعلية فاطمة البريكي التي ترى ان المجال التكنوـ ادبي ينحصر في:
1- القصيدة التفاعلية التي فيها يتجاوز الشاعر الصيغة الخطية المباشرة في تقديم النص لمتلقيه.. ويعتمد بشكل كلي على تفاعل المتلقي مع النص مستفيدا من خصائص التقنيات التكنولوجية الحديثة..
2- القصيدة الرقمية أو الالكترونية والمتمثلة في تقديم نص من خلال شاشة الحاسوب..هذا يعني انها قصيدة لا يمكن تقديمها على الورق لأنها تعتمد على العناصر الصوتية عبر المقطع الموسيقي الذي يتناسب وحركة النص وانسيابه.. والبصرية الدينامية المشحونة بطاقة فنية تشكل جزءا من بنية النص انطلاقا من العنوان الذي يظهر ويختفي في خلفية زرقاء تمنح الألوان الساخنة قوة كاللون الأصفر كون الأزرق من الألوان الباردة من جهة وتضفي عليه مؤثرات نفسية تسهم في تحريك الخزانة الفكرية للمستهلك "المتلقي" .. من جهة أخرى.. إضافة إلى التقنية الكتابية واليات الاستبدال في تركيب الجمل لارتباطها بالبرمجة الالكترونية.. والتي تشكل جزءا من بنية النص وبنائه الذي يأتي ترتيبه تراكميا قائما على اللفظة والفن التشكيلي والموسيقى والصورة الفوتوغرافية.. بحيث تتفرع النوافذ حاملة رؤى جديدة لموضوعة واحدة..
هذا يعني أن القصيدة التفاعلية ـ الرقمية نتاج صيرورة من التطور في فهم النص وتسويقه عبر وسائل التقنية المعاصرة المتمثلة في استثمار الحاسوب وتقنياته "الصوت/ الصورة/ اللون.." من اجل توظيفها في العمل الشعــري وإشراك المتلقي وإحضاره في كل واجهة من واجهات النص.. كونها نمطاً كتابياً شعرياً لا يتحقق إلا في الوسط الالكتروني الذي يمدها بتقنياته التي تحقق وجودها على الشاشة الزرقاء أو توفرها على اقراص مدمجة ( cd ) وقد بدأ الممارسة الفعلية للاشتغال عليها في مطلع التسعينات من القرن العشرين الشاعر الأمريكي (روبرت كاندل) من خلال قصيدته "كلها ستنتهي الى"..التي نشرها عام 1990 كاول نص تفاعلي الكتروني.. تبعه الدكتور مشتاق عباس معن الذي نشر عام 2007 قصيدته التفاعلية الرقمية "تباريح رقمية لسيرة بعضها ازرق".. والتي تعد اول تجربة عربية محققة لوجودها باستثمار الأقراص المدمجة (cd _ ram ) والتي تشكلت من ستة نصوص تتفرع من نوافذ متصلة مع اعتماد المؤثرات الصوتية والصورية والتنقل بين النوافذ المفتوحة..فضلا عن أنها اعتمدت في تطبيقاتها على عمود الشعر والتفعيلة وقصيدة النثر.. وفي هذا يقول الشاعر "القصيدة التفاعلية- الرقمية حالها حال أية إضافة على المنظومة الأدبية العربية فمن الضروري أن يواكب تثبيتها تسجيل مسوغات التغيير أو الانتقال أو الإضافة على مستويي(نظرية الأدب" و"النظرية النقدية" وهو ما نهض به كثير من النقاد ممن عرضوا للنص الذي أنتجته مؤخراً بعنوان "تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق".. ومن أهم تلك المسوغات: ضرورة الظرف التاريخي والثقافي.. فلكل مرحلة من مراحل المجتمعات الإنسانية ظرف ثقافي تحتّمه الإمكانات العقلية التي تتحكم بالانتاج و التنظيم وسواهما .. ففي البدء كان الظرف الثقافي للمراحل التاريخية الأولى من حياة المجتمع الإنساني محكوم النسق بالشفاهية .. ومن ثم تطوّرت الإمكانات العقلية فأفرزت كثيراً من التغيرات المؤثرة في الإنتاج والتنظيم كالكتابة .. فانصبغ الظرف التاريخي بصبغة ثقافية جديدة ليعلن بداية مرحلة جديدة هي الكتابية..واستمرت هذه المرحلة بالنمو والاتساع حتى استطاع الإنسان أن يطوّر من إمكاناته العقلية فأنتج طفرة كبيرة على مستويي الإنتاج والتنظيم تلخّصت بالمنجز التكنولوجي ووليده العجيب الحاسب الآلي والانترنت .. فدعا هذا التحوّل في الظرفين التاريخي و الثقافي أن ينصبغ كل ما يتحيز داخل مرحلة التكنولوجيا به .. ولاسيما المنظومة الأدبية.. وقد سبقنا الغرب في الولوج داخل العصر التكنولوجي بكل تفاصيله حتى الأدبية.. فأنتج ذلك الولوج جنساً أدبياً جديداً هو جنس الأدب التفاعلي الذي يعتمد على التمثيل البصري في تحقيق دلالته وعلاميته .. فكانت الأنواع الأدبية المختلفة مندرجــة تحتــه كالشعــر والسرد والــدراما..وشهـــدت الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم أولى الريادات الغربية في مجال الأدب التفاعلي.. وكانت بدايات هذا القرن هي بداية الريادة العربية..
من كل هذا نستنتج ان النص التفاعلي.. الرقمي يتشكل من شبكة من النوافذ المتفرعة الى جملة نوافذ من خلال الانتقال عبر مفاتيح النقل داخل الشبكة الالكترونية التي يستثمر الشاعر جمالياتها الصوتية والصورية والكتابية في خلق نص يعبر عن لحظة انفعالية تجنح الى الإيجاز والتركيز الدال وهي تتكئ على محمولات لفظية تكشف عن صور بصرية من خلال تركيبة متحققة من اقتران الشكل بالمضمون اقترانا امتزاجيا يوظف اللغة توظيفا ايحائيا.. فنيا.. تصويريا.. توليديا.