ادب وفن

احموا الرواية من كتابها ونقادها / باسم سليمان*

هل السّؤال عن أنّ الرّواية هي ديوان العرب الجديد, يصحّ من واقع شرعية ما حققته الرّواية الآن من انتشار كاسح إذ ما قيس بالأجناس الأدبية الأخرى وخاصة على حساب الشّعر صاحب اللقب الأصل!؟

قالت العرب, إنّ الشّعر ديوانها وإنّه حامل أيامها السّود والبيض وحدثانها, لكن التدقيق في القول نجده ينطبق على الشّعر الجاهلي فقط أمّا بعد قيام الدولة العربية الإسلامية وظهور علوم الدين واللغة والتأريخ وغير ذلك، لم يعدّ الشّعر يقبل هذا التجويز وإنْ كان في أصله فضفاضاً غير دقيق وهنا نعود للسّؤال في البداية إذا كان حكم الفرع من حكم الأصل أيّ الحكم على الرّواية بأنّها ديوان العرب تجوّزاً نسبة لامتلاكها الخصائص والصّفات التي جعلت للشّعر ذلك اللقب, فهذا يعني أنّ اللقب لا يصحّ على الرّواية وإنْ كان استعارة أو مجازاً!؟.
انسحب الشّعر ليصبح مدونة ذاتية, رؤية خاصة للشّاعر عن نفسه وعن الوجود, فترك أغراضه التي اشتهر بها وذهب في نرجسية يُقبل عليها الشّاعر ويستسيغها المتلقي وخاصة في طوره الكتابي الصّامت حيث تراجعت شفوية الشّعر لصالح إيماء الكتابة وتلقيها بالعين وليس الإذن؛ هذه الأغراض وجدت تجلياً جديداً لها في الحكاية المضمَرة في السّرد الروائي, فأصبحت الرّواية مرآوية الخطاب وخاصة في طورها الواقعي والواقعي النّقدي وهذا الطّور رافق نمو ووجود الرّواية في المجتمع العربي وانتشار مذهبها حتى كادت أن تجبّ القصّة, فهذا الطّور الواقعي زودها بمستصغر الشّرر الذي سيسمح للرّوائيين والنّقاد بالإدعاء أنّ الرّواية هي ديوان العرب.
تناقصت أعداد الدواوين الممنوعة لأسباب تتعلق بمقاربتها للتابوهات بالمقارنة مع عدد الرّوايات التي أصبح المنع يكاد يشملها لوحدها مع كتب نقدية فكرية أخرى وحدث ذلك عبر العالم أيضاً, هكذا ظهرت الرّواية بمظهر سياسي مؤدلج بأنّها مقاومة للأنساق القّارة في مجتمعاتها, حتى أصبحتْ بمثابة تاريخ آخر لا يكتبه المنتصِر/ المتن بل يكتبه الهامش/ المهزوم ولو وجد أفلاطون الآن لكان منع الرّوائيين من دخول جمهوريته.
كتبَ بيكاتشو في مقدمة قصصه أنّها موجهة للنّساء ليزجين بها الوقت وفي التربية العاطفية لفلوبير ومن بعده هوغو وبلزاك وصولا إلى أميل زولا وويلز برواياته الخيالية العلمية, نجد أنّها ترافقت مع نمو الحركة الرأسمالية وصراعها على جميع الأصعدة ضد القواعد السّابقة وهكذا أصبحت بطريقة أو أخرى التّاريخ الموازي للتاريخ العلمي يمشيان معاً خطوة بخطوة وهنا السؤال: هل حدث الأمر ذاته مع الرّواية العربية بالتأكيد لا, فالاستنساب الذي حصّلته الرّواية العربية من أختها الكبيرة الأوروبية, واقع الحال لا يدعمه, لكنّ المأرب السياسية المضمَرة في التهليل للرّواية نستطيع أن نفهمه من خلال مقاربة رواية سلمان رشدي وما أثارته الفتوى بقتله من تداعيات دونكيشوطية على صعيد الرّواية.
تقريباً نشأ علم التاريخ الحديث في أوروبا مع نشأة الرّواية ونشأت بالتوازي علوم أخرى كالاجتماع والاقتصاد والسّياسة وكلّها تبحث في صيرورة المجتمع ومع ذلك لم يحصل أنْ حازت الرّواية على اللقب الكبير بأنّها ديوان أوروبا رغم أنّ الرواية تغطي زمنياً عصر الأنوار والانفجار العلمي والرأسمالي الذي مكّن أوروبا من احتلال العالم بقاراته الجديدة والقديمة!؟.
في عالمنا العربي ظهرتِ الرّواية بظهور الوسائط الميديوية من صحافة وراديو وتلفزيون وبث فضائي وانترنت وهذه الوسائط تلعب دور المغذي الفكري للمتلقي العربي القليل القراءة أساساً, فبدأت بصناعة تاريخه ورؤيته للحاضر والمستقبل وانحسر دور علوم التاريخ والاجتماع والاقتصاد والسياسة للخلف وللمختص حصراً الذي لا يجد منفذاً للقول بوجود الوسائط الميديوية المتحكم بها من قبل سلطات الخطاب الواحد و هنا بحكم أنّ الرّواية تضمر الحكاية أصبحت الصّوت المقاوم لهذا النّسق السّلطوي الذي يفرض رؤيته ووجد بها القارئ ضالته وتم الترويج لها؛ لكن هل تستطيع الرّواية أن تلعب دوراً قصرت عنه أختها الكبيرة الأوروبية؟ وإن فعلت! فهل حقاً هي تقدّم النّسق المهمَش والمبعَد الذي يقدّم ما سكت عنه الخطاب السّلطوي الواحد بالتأكيد لا يمكن لها ذلك؟ ومن هنا نسأل من يدسّ السّم في دسم الرّواية العربية!؟.
لا ريب بأنّ الصّراخ بأنّ الرّواية العربية هي الديوان المانع والجامع لحدثانهم وأيامهم السّود؛ أقصد العرب, فيه من الخبث الكثير!؟ ألا يعني هذا أنّ علم التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والاجتماع والنفس وغير ذلك غير موجود بمجتمعاتنا؛ ألا يعني أنّ الرّوائيين والنّقاد الذين صرخوا بأنّ الرّواية التّاريخية هي التاريخ الحقّ وتراجعوا عن ذلك وأعلنوا أنّ الرواية التاريخية هي تخييل يتناول التاريخ ولا يقدم إلّا بعض الحقائق التاريخية بالمعنى العام, سيعودون من جديد لتدارك الأمر ويسقطون عن الرّواية جلبابها الفضفاض هذا وفق المقتضيات والأجندات المضمَرة السياسية التي ستأمرهم بالكفّ عن القول بأنّ الرّواية هي ديوان العرب لتصبح الدراما التلفزيونية ديوان العرب الجديد.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب من سوريا