ادب وفن

محمد مكية.. معماراً مميزاً وأباً مربياً / رفعت الجادرجي

اقامت رابطة الاكاديميين العراقيين في بريطانيا يوم 22 شباط الماضي حفلاً اجتماعياً على شرف المعمار الرائد محمد مكيه، في مناسبة بلوغه السنة المائة من العمر.
في ادناه ننشر نص كلمة المعمار الكبير رفعة الجادرجي، التي ألقاها في الحفل.
عند بحث دور د. محمد مكية في العمارة سنكون دقيقين أكثر إذا ما بحثنا ما تتصف به سيكولوجية فئة معينة في المجتمع العراقي، كانت في دور النمو والظهور، وهي ظهور الطبقة الوسطى التي كانت تنمو لترتقي وتكتسب الصفة البرجوازية، والتي أخمدت، بسبب الانقلابات العسكرية وتخلف الريف في العراق. كما علينا أن نشير أيضاً، إلى عامل الصدفة، حيث أرسل مجموعة من الشباب لدراسة العمارة في إنكلترا، فرجع هؤلاء ليؤلفوا الجيل الأول من المعماريين في العراق.
إن عوامل الصدفة التي رافقت ظهور معماريين متميزين، حسبما اعتقد هي:
1- ارسلت البعثة إلى جامعة ليفربول، حيث كان آنذاك الاستاذ رايلي رئيس قسم العمارة.
2- و الصدفة الثانية التي منحت د.مكية مقاماً متفرداً في مجال التربية المعمارية هي تعيينه أول رئيس لقسم العمارة.
3- كانت الخلفية التربوية، البيئية والعائلية، هي التي منحت هؤلاء قدرة استيعاب متطلبات دراسة العمارة. أقول هذا، لأن دراسة العمارة تتطلب قدرات تقّبل الفنون عامة، ولذا عادوا إلى العراق يتمتعون بتعليم معماري متميز، وليس كمهندسين يمارسون العمارة، كما هي الحال في البعض من البلدان العربية.
تألفت هذه الفئة من: أحمد مختار ، مدحت علي مظلوم، جعفر علاوي وإضافة إلى هؤلاء، هناك الذين درسوا العمارة ورجعوا متخصصين بالثقافة المعمارية وهم: سامي قيردار خريج البوزار، نزار علي جودت خريج جامعة هارفرد، قحطان عوني خريج جامعة كاليفورنيا، قحطان المدفعي خريج جامعة كاردف. تتصف هاتان المجموعتان بأن افرادهما: أسسوا القاعدة الثقافية والتربوية والمهنية لظهور المعمار في العراق. لقد اعتبروا العمارة فناً وليس هندسة. وذلك بسبب كونهم مطلعين على الفنون كالرسم والموسيقى والنحت وغيرها من الفنون. كما كانوا أصدقاء للفنانين العراقيين، وقد عملوا كثيراً على تشجيع تطور الفن الحديث في العراق. كان هذا موقفاً لم يمارس من قبل إلا في ما ندر بين المعماريين في البلدان العربية الأخرى، كسورية ومصر ولحد ما لبنان. و كان من حسن الصدف أن تعيّن محمد مكية أول رئيس قسم العمارة في جامعة بغداد، فعمل على تأسيس القاعدة التربوية لظهور المعمار العراقي.
وبحكم هذه العلاقة التربوية، أصبحت شخصية محمد مكية شخصية تربوية أكثر من أي معمار آخر. فهو لا يسمح بمرور مناسبة من غير أن يشير إلى أهمية تربية جيل جديد ليكتسب صفة ومؤهلات المعمار. وإضافة إلى هذا الدور المهم الذي اتصف به، كان مطلعاً على تاريخ الفنون والعمارة. فعمل ناشطاً في مختلف المناسبات. وأصبح علماً كراعي للتراث العراقي. وكان له دور فاعل متميز. تحية للدكتور محمد مكية بهذه المناسبة، بكونه معماراً مميزاً وأباً تربوياً، حيث ركز على الحفاظ على التراث العراقي سواء في مجال العمارة أم في الحرف عامة وفي مختلف المجالات.