ادب وفن

كـنـتُ ألمحه..؟! / جاسم العايف

في بدايات تطلعنا الثقافي، كنا نسير، بتبختر، ونحن نحمل الكتب كبيرة الحجم، والتي شكلت وعينا الثقافي. بعد 14 تموز 1958 ، بتنا نتبختر، أيضاً، بكتبٍ أخر.. حمراء.. حمراء.. وهي التي رَصَّنت وعينا الاجتماعي- الثقافي، وما زالت رصيدنا وستبقى، مع حساب المتغيرات الكونية الهائلة في نهاية القرن العشرين. أعود للبدايات: لابد من الذهاب مرة وأكثر، اسبوعياً، إلى "العشار" والمرور في سوق المغايز وبعده سوق الهنود ونحن في طريقنا إلى "السينما".. نبهنا أحد الأصدقاء إلى محل صغير للخط والإعلان. كنت ألمحه في وسطه، منحنياً على كتاب أو مجلة، وغالباً ما أراه يمسك الفرشاة ويخط على القماش أو الورق. شغلني ذلك النحيف "كقصبة" الخط التي يمسك بها. مرة رأيته يقتني من مكتبة الجميع مجلة "الآداب" اللبنانية، التي كنت أحرص على متابعتها شهرياً.. فوجدت في ذات العدد قصيدة منشورة له. لم يسمح لي عمري أن أمد يدي نحوه، أو حتى ان أحدثه.. كيف يمكن ليّ ذلك حينها..؟!. بعد سقوط النظام السابق تنادينا لإقامة مربدنا في "بصرته". فتبرع بشعاره الأول وأرسله، من فرنسا، هدية منه إلينا.. وحضر مع مَنْ حضر من الكرام وعلى نفقتهم الخاصة، وألقى شعراً.. ثم بقي في "بصرته" حوالي الأسبوعين. جلس معنا في مقهانا المتواضع جدا دون أن يتأفف. رأيت بعض الفنانين التشكيلين من رواد المقهى، مساءً، يسرعون على اقتناص تخطيط "بورتريه" له دون علمه. تشرفنا بجلسة مسائية ثقافية خصصناها له وقدمه فيها استاذنا محمود عبد الوهاب تحدث عن طرائف عدة وعن كتابته الشعر الشعبي الاخواني وأبجديته الطباعية العربية الجديدة. ثم جلسة أخرى في مقر الحزب الشيوعي العراقي ، قدمه فيها الدكتور عباس الجميلي. كتب عن "الفيصلية" في صحيفة "المدى" الفنان فيصل لعيبي صاحي، فكتبت عنها في "المدى" كذلك، وأهديت ما كتبته إلى أخي "فيصل". فكتب هو مقالاً في "المدى" أيضاً، وبعنوان: "الفيصلية.. بين فيصل لعيبي.. وجاسم العايف". أثنى في كتابته على ما كتبنا.سأبقى أفخر دائماً وأبداً بما جاء في كتابته عن ما كتبته وأورده نصاً، باعتزاز:".. ثم كتب الأخ جاسم العايف عن "الفيصلية".. ففصلَ ببراعةٍ وتمكنٍ.. فأبدعَ وأدهشَ وأجادْ..". مَنْ كنت ألمحه سبقاً، وأثنى على ما كتبت لاحقاً:(محمد سعيد الصكار).. وكـفـى.