ادب وفن

تمنيات مكررة في العام الجديد / محمد سعيد الصكار

طابت أيامكم، وبوركت أعيادكم، ودامت أفراحكم، وجنّبكم الله المتاعب، ومهّد لكم سبل الراحة والعافية والعيش الرغيد والنجاح في مساعيكم ومشاريعكم للعام الجديد، وخفف عنكم ضغط الأخبار، وفضول الفضائيات، وجنّبكم القيل والقال، وارتباك الأعمال، وجعل لكم منفذاً للهروب من ضجّة السياسيين، وفضول المتطفلين، وجعل لساعاتكم حضوراً في ازدحام الأشغال، واحترام الوقت الذي تشير إليه الساعات، فإن الربح الأوفر هو ما تشير إليه ساعاتكم لتذكركم بأن الوقت يجري، ولا بدّ للحاق بموكب الزمن، واستثمار ما بين أيديكم من فسحة زمنية لتشحنوها بما هو نافع ومفيد لكم ولأصدقائكم ومعارفكم ووطنكم ومواطنيكم.فللزمن حرمة، والحياة قصيرة، ومن الواجب احترام هذه الحرمة، فالزمن هدية سريعة العطب لا بد من العناية البالغة بها، والتأمل في دلالاتها، واستثمارها بأجمل وأشرف ما نقدر عليه.
والزمن متقلب سريع الهروب، لا ينتظر المتمهلين، ولا يلتفت إلى المتخلفين، ولا يمكن اللحاق به إلا بالمثابرة ووعي أهميته.
وللتعامل مع الزمن فنون تسعفنا بها تجارب من سبقنا وتختصر علينا المسافة، والرابح الرابح من يسير مع الزمن جنباً إلى جنب، فلا يتخطاه فيتخبّط في المجهول، ولا يتخلف عنه فيبقى مراوحاً في مكانه والزمن يجري.
ونحن، العرب، لنا من الوقت مثلما لنا من النفط والشمس والماء وغيرها من نعم الله، ولكننا لم نستثمر من هذه الخيرات التي منحها الله لنا، غير نعمة واحدة، نسأل الله أن يديمها، هي النفط، وللنفط بركات ما زلنا نرفل في ظلالها،ونستمتع في هباتها، ولكننا قلما فكرنا في ما بعدها، وتلك قضية جديرة بالمراجعة والتقدير وتصويب مسار أحلامنا وخطط مستقبلنا، والتأمل ف ما تهبنا الشمس ويمنحنا الماء.
الفائض من وقتنا كالفائض من أموالنا؛ كلاهما بحاجة إلى ضبط المعايير والدقّة في تحديد الآفاق، وانتقاء ما يجعل لنا حضوراً في الزمان الذي نعيش فيه، ويرصد لنا آفاق المستقبل، ويجعلنا في طمأنينة وأمان من تقلبات الزمان؛ فهل نحن كذلك؟ واقع الحال يشير إلى ثغرة بين ما نحن فيه وبين موكب الزمن، ففي حين ينشغل العالم بهموم البشرية كحقوق الإنسان ومشاكل البيئة والتنمية وقضايا الطاقة والمطبّات السياسية والإقتصادية وما يتحكم في حياتنا ويستوجب النظر إليه والعمل فيه، ننشغل نحن بالفتاوى الإرتجالية وتبديد الثروة والتصرفات الصبيانية في معالجة الأمور الجدية .
الأمر الذي وضعنا في موقف أقل ما يقال فيه إنه لا يأبه بحركة التاريخ وضرورة أن يكون لنا حضور قوي فيها، والعمل الجاد المخلص في إيجاد موضع قدم لنا في دورة الزمن، واستثمار كل طاقاتنا لتعزيزه أسوة بما يسعى إليه النابهون
. لا يكفي أن نستورد معطيات الأفكار من غيرنا، نحن بحاجة إلى غربلة ما لدينا من أفكار، واستبعاد ما يُفرض علينا من قيم ومعايير عفّى عليها الزمن لا يجد مبتدعوها من المنطق والحكمة ما يجعلها في مصاف المأمول في هذا الزمن العاصف . ولتكن لنا نظرتنا إلى ما نحن فيه، نظرة الناقد المتأمل المنتقي لما هو أصوب وأدق وأكثر احتراماً لعقل الإنسان .
وإذا كان ما فاتنا كثير، فاستدراكنا لما فات واستقراء مواطن الخلل مطلوب وضروري؛ والأوان قد حان لمراجعة كل ذلك في بداية هذا العام الجديد الذي يبدو محمّلاً بالكثير من المفاجآت .
وبانتظار ما يدّخره لنا العام الجديد، ندعو الله أن يعود عليكم باليمن وحسن العاقبة .