ادب وفن

من قصص وقصائد الأنصار/ داود أمين

فيما يلي أورد نص قصتين قصيرتين جداً، الأولى للنصير "منذر أبو الجبن" واسمه الصريح "سلام أبو الجبن"، وعنوان قصته "سر الليل"، والقصة الثانية للشهيد "ملازم حسان" وأسمه الصريح "جبار شهد"، وعنوان قصته هو "السنجاب"، كما أورد قصيدة للشاعر "عواد ناصر" وعنوانها "يكماله"، والقصتان والقصيدة نماذج حقيقية، لما يمكن أن نسميه بـ"أدب أنصاري" إذ كتبها أنصار مقاتلون، ومضمونها ومحتواها أنصاريان، وقد نشرت هاتان القصتان والقصيدة عام 1982، في صحيفة "النصير" ، التي كان يصدرها مكتب إعلام قاطع بهدينان، لأنصار الحزب الشيوعي العراقي.
القصة الأولى "سر الليل"
منذر أبو الجبن

عندما حدثتني، وهي تسلمني الحراسة الليلية، كان الليل جميلاً، وهو يحيط خيوط التعب في جفنيها، لكنه لا يخفي الألق في عينين جميلتين، تتواثبان عند كل صخرة وممر، تراقبان باهتمام كل نأمة، قالت وهي تتطلع إلى الأفق الممتد أمامنا..بعيداً.. بعيداً.
كانت ليلة أولى لمفرزتنا، بعد حادث "سينا" حين فشل العدو في تطويقنا، والتجأنا عندها إلى مقرنا القديم، متوزعين على مغارات ثلاث، في سفح الجبل، كنت حينها في النقطة الأمامية، وقد أيقظني الرفيق الذي قبلي، أبو رستم. ورغم الظلمة، كنت أتبين على ملابسه المخضبة، دماء الشهيد حكمت، عندما حاول إنقاذه، في الليلة الماضية.. كان الظلام خانقاً، لم أكن خائفة.. ولكنها كانت لحظات صعبة، وأنا أرى دماء حكمت توشح بدلة أبي رستم.. معطفه.. قميصه.. وحتى الجسد.. وأخرجني من تلك اللحظات صوته، وهو يشرح لي المنطقة، ويضع المعطف على كتفي، خوفاً من البرد، ويغادرني قائلاً: لا تنسي إن سر الليل هو الشهيد حكمت.
استغرقت في صمت عميق، دام دقائق، كنت أدرك سبب حزنها، ومصدر اللؤلؤتين المتجمدتين، في مآقي عينيها الجميلتين.. وقبل أن تغادر، غطت كتفي بمعطف سميك، خوفاً من البرد، وقالت هامسة: لا تنس أن سر الليل لهذه الليلة، هو الشهيد "أبو رستم".
القصة الثانية "السنجاب"
ملازم حسان

يهفهف حين يمرق قبالتي سريعاً، ألتقط نبض قلبه، وأحاوره بصمت، وأرقبه بعطف، ألحظه أغلب الوقت يقفز ببهجة.. ويرنو بإشراقة جميلة، وحين سرت النار اليوم بعد القصف، نطَّ من مسكنه، في جذع شجرة الجوز، ليسكن الدهشة، تحت خيمة من رعب يتناسل، ليستحيل إلى ارتجافات لا حد لها.
النار قاسية، تسري وهسيسها بإصرار، يتسلق جذع الشجرة المنخور، فوق غصن في أعلاها، تكوّر باستكانة، يرى إلى الأشجار، بعينين كستهما نظرة حائرة منكسرة، فارقها ألق أليف، لمن كان يراه كل يوم، ينطُّ بخفة ويخطو برشاقة ساحرة.
نطَّ إلى غصن أعلى، يجرجر استنكاره وعجبه، المغلفين بوشاح اكتشاف هدهده،، فاتكأ مستسلماً يسربله البله، كلما أمعن النظر، في النار تنحني، أمام الأشجار الضخمة بهيبة زائفة، تزوغ لتحاصرها، لكنها تندحر بعيداً.
يجلله بؤس المخيلة، وهو يرى إليها، تتسلق كل شجرة، حفر فيها حجراته من قبل، وتتسلق مسكنه الآن، وقحة تمد له لسانها هازئة متوعدة!.
"يكماله"
عواد ناصر
تتجمعُ حول بقيّةِ نهر..
.. وحول بقيّةِ نهر تغيبُ،
وتترك آثارها واضحة.
لم تزلْ منذ ألفِ من السنوات مهددة
"ذبحَ الترك أرمنها الأولين
ويحتلها الآن أعرابنا..".
ليلها وحشةُ وهواها انهيار وأشواقها مذبحة
إمحت منذ ألفِ
ولكن أشواقها والغصون التي اختبأ
العاشقون..
لم تزل..
وكأنَّهم ارتحلوا البارحة.