ادب وفن

الفنان والقاص حامد الهيتي :شخصية شفافة وإبداعات مثيرة للتأمل / ناجح المعموري*

علاقته بالعاصمة بغداد كانت مبكرة، يذهب إليها باستمرار بداية الستينيات ويعود في اليوم الثاني حاملا معه الكتب الواردة حديثا للمكتبات وأحيانا تكون الكتب مستعارة من أصدقائه الكثر في العاصمة وتتوزع بين الشعر والقصة والرواية، وكان يحدثنا عن الأسماء المعروفة لنا من خلال الصحافة، مثل عبد الرحمن مجيد الربيعي وعبد الرحمن طهمازي وشريف الربيعي ووليد جمعة... وأكثر ما يدهشنا في شخصية حامد الهيتي تنوع اهتماماته الثقافية والإبداعية، فهو يكتب القصة القصيرة وقصيدة النثر والنقد والإعداد الإذاعي والمسرحي، بالإضافة إلى تخصصه الأول كفنان تشكيلي أقام عددا من المعارض في مدينة الحلة، وأشك بوجود لوحة واحدة له الآن.
لم يكن حريصا على إنتاجه، يعطيه أو يهديه لأصدقائه ومعارفه وأتذكر بأنه أعد روايتي "شرق ألسده... شرق البصرة" إذاعيا وأهداني نسخة منها ما زلت احتفظ بها وأفكر بتقديم هذا السيناريو إلى متحف الحلة، ولابد من حملة واسعة يقوم بها الأصدقاء للبحث عن متروكاته وإيداعها في المتحف الحلي.
ومن الجدير بالذكر تميز حامد الهيتي بالتصميم الفني وحصرا لأغلفة الكتب، وأتذكر بأنه صمم غلاف مجموعة شعرية للقاص خالد الخميسي" القذرون" وصمم لي غلاف مجموعتي القصصية" أغنية في قاع ضيق" وأحتفظ ضمن موجوداتي بغلاف لمجموعة لي لم تصدر.
وندرة ما هو خاص لحامد الهيتي إشكال ثقافي ملحوظ، حتى صوره الفوتوغرافية قليلة جدا وأتذكر بأن جماعة الجندول اقترحوا عليّ احتفاء بي ، شكرت الشباب وأخبرتهم بأن الاحتفاء بحامد الهيتي ضرورة ملحة بسبب مرضه المزمن وعلينا تكريمه وهو حي واستطعت إقناع الشباب بالفكرة وتحقق الاحتفاء والتكريم.
وعندما كتب الصديق نبيل الربيعي تقريرا عن الاحتفاء لمجلة الشرارة واجه الصديق كاظم السيد علي مشكلة لا وجود شيء رمزي دال على حامد الهيتي، لا صورة شخصية ولا لوحة.. لا شيء سوى إصداراته الأدبية التي حفظتها المكتبة وليس هو، اتصل بي الصديق كاظم السيد علي وطلب ما متوفر لحامد لدي، فأرسل له صديقي الشاعر عادل الياسري غلافين لمجموعتي وآخر لخالد الخميسي.
كنت في زيارة لوزارة الثقافة للقاء الأستاذ مفيد الجزائري الذي كان وزيرا لها، واقترحت عليه تخصيص مكافآت نقدية مقابل عقد عمل مؤقت وطلب مني تقديم طلب بذلك، ووافق عليه مباشرة، وقبل مغادرتي أومأ لي بالانتظار، كنت أراه يبحث بجرارات منضدته ويأخذ قليلا من الدنانير، أخيرا دخل إلى غرفة جانبية وعاد مبتسما وهو يقول لي: جمعت 300 ألف دينار خذها "لحامد" وسأوصي بإعطاء الراتب كلما يأتي إلى الوزارة.
كان فناناً تشكيليا معروفا وله طريقة خاصة بالرسم، ميزته عن غيره من فناني مدينة الحلة، ميله واضح للمبالغة في التشكيل والاقتراب من الغرائبية واللامعقول ودائما ما كان يرسم ويكتفي بما تقول اللوحة ويلوذ بالصمت لأنه لا يحب الحديث عن عمل أنجزه، وهذا ما حصل أيضا مع قصصه ونادرا ما سمعته يتحدث بتفصيل عن عمل له ولغيره وكثيرا ما يثير اهتمامنا بإعجابه برواية ما وبدون الدخول في التفاصيل.

(2)
حامد الهيتي إنسان متنوع الاهتمام والانشغال، هادئ يحب الجميع ويعبر عن محبته للذين يعرفهم برواية آخر نكتة استمع لها حامد في بغداد، هكذا كان، لكني أعرف جيدا بأنه هو من أنتجها.
حامد الهيتي شخصية وطنية وديمقراطية وظف النكتة سلاحا قويا وحادا وبرع بها باعتبارها جنسا سرديا، عرفته الحلة من خلال أسماء عديدة منهم لطيف بربن، محمد علي القصاب، موفق محمد، جعفر الزرقاني، ومحمد علي بربن.
لم يكتف بنقل النكتة وإعادة سردها، بل يعيد إنتاجها ويضيف عليها ما يريده هو ويجعلها مروية ذات مدلول سياسي، وما يميز سرديات الهيتي الساخرة تركيزها وكثافتها وتكفيه ثانية أو أكثر قليلا كي يهمس لك بالنكتة ويودعك سريعا.
والنكتة الجديدة الوافدة مع حامد الهيتي يوم السبت تصل إلى كل الأماكن في الحلة، واعتقد بأن سرديات حامد الساخرة، تحتاج قراءة ثقافية، وأتذكر بأني تحدثت قليلا في احتفائية جماعة الجندول عنه، وحصرا حول ما يميزه من خصائص صياغية للنكتة الأكثر تعبيرا عن السائد الاجتماعي والسياسي وما زلت حتى هذه اللحظة أكرر دعوتي لأصدقاء حامد بضرورة تزويدي بما اختزنته ذاكرتهم من مروياته الساخرة -النكتة- لأنها تنطوي على عنصر الكثافة والتركيز وبلاغة عميقة ودائما ما تكون نكتته بطيئة الإيصال المطلوب، وبعد قليل تحقق ما يريده حامد منها، بينما هناك عدد آخر في الحلة ممن اهتموا بالنكتة ومثال ذلك لطيف بربن الذي دائما ما تكون نكتته طويلة وتستغرق وقتا، ولذلك سبب فني واضح له علاقة بشخصية الراوي وحلمه بالهيمنة ومزاولة نوع من السببية البطيئة، حتى يبقى المستمع مشدودا رافعا رأسه للأعلى، لأن بربن طويل القامة.

(3)
أعتقد بأن مديرية النشاط المدرسي في الحلة قادرة على توفير ما يساعد الأصدقاء لتكوين أرشيف بسيط عن حامد الهيتي، لأنه عمل سنوات طويلة في النشاط المدرسي، وقدمت له مسرحيات مهمة للغاية، والدعوة عامة لكل أصدقاء حامد.
خسرت الحركة الثقافية رمزا مهما من رموزها الثقافية الإبداعية،لكنه وأنا واثق- سيظل حاضرا بالذاكرة الثقافية لمدينة الحلة التي لم تنسه خلال فترة غيابه عن الوسط الثقافي بسبب مرضه الطويل.
ــــــــــــــــــ
* نائب الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب العراقيين