ادب وفن

حامد الهيتي..محطات خالدة للفن والإبداع / سمير يوسف

ذكرياتي معه لا يمكن أن تنسى، كونه عالماً انسانياً ورصيداً فكرياً لا يكاد ينضب، وهو منبع خصب للأدب والفن، ومنجزاته سوف تظل مشروعا ثقافيا قابلا للتأمل من خلال ما يمتلك من مواهب متعددة، جعلتنا دائما نتصفح عالما خاصا من الرموز المتألقة، وثمة وحدة هائلة لمجموعة من القيم التي تبدو لنا فيضا كبيرا لمساحات من البقع واللمسات اللونية المتداخلة ببعضها مع الخطوط القوية والجريئة التي كنا نشاهدها في الرسم والتصميم، والتي كثيرا ما تعطينا نوعا خاصا من الوعي الإنساني لعالمنا الخارجي دون أن يتخلل ذلك شيء من التطرف، لذا فأن منجزات "حامد" الفنية منها والأدبية، تضرب لنا مثلا أعلى للوعي الإنساني بغية التقارب والتفاهم مع الآخر.
لقد كان متعدد المواهب لذا يمكن أن نتحدث عنه وعن إنسانيته ومواهبه، التي أهداها لمن حوله من الفنانين والمثقفين ومن الناس البسطاء الذين كان يتعايش معهم عن طريق الحب والتفاهم، فلقد عرفته منذ البدايات الأولى لستينيات القرن الماضي حيث كانت علاقتنا لا تخلو من ألوان العشق للفن والحياة.
كونه مبدعاً لأكثر من مجال من مجالات الفن والثقافة فذكرياتي مع هذا الإنسان عبارة عن محطات جميلة ورائعة، وحامد رجل يحمل من البساطة الشيء الكثير كما انه صاحب النكتة الشعبية والتي يعرفها عنه العديد من محبيه وأصدقائه من أبناء الحلة البسطاء.
وأثناء ما كنا نجلس في مقاهي مدينة الحلة المعروفة آنذاك واغلبها كانت خاصة لمجالس الأدباء والمثقفين والسياسيين ومنها على سبيل المثال مقهى"حساني" ومقهى"أبو سراج" ومقهى "ابو وهاب" القريبة من بلدية الحلة، ومقهى" الجندول" وغيرها، لقد أشتهر أسم حامد الهيتي في الأوساط الثقافية من كونه كاتباً متمرساً لأدب القصة القصيرة في السبعينيات وكذلك اهتمامه الجاد في عملية الإعداد الفني لكتابة المسرحيات العالمية وتعريقها، والتي أخرجها مجموعة كبيرة من أصدقائه المسرحيين وشاركت في أكثر من مهرجان داخل وخارج الوطن، كما كان يمتلك قدرة فائقة عند كتابته للنقد الفني في التشكيل والمسرح كونه كتب العديد من البحوث والدراسات النقدية التي كانت تتحدث عن منجزات العديد من الفنانين والأدباء من العراق، فلقد نشرت له العديد من انجازاته الفنية والثقافية في مجال القصة والرواية والمسرحية المكتوبة، وفي بعض الأحيان كتاباته في الشعر الحديث، وبلغة بسيطة وجميلة فكانت اغلب موضوعاته النقدية تنشر في الصحف والمجلات العربية منها الأديب البيروتية ومجلة الثقافة العربية ومجلة الطليعة الأدبية ومجلة الف باء ومجلة فنون البغدادية، وفي اغلب الصحف العراقية التي كانت تصدر آنذاك وفي مقدمتها طريق الشعب.
أما في مجال الفن التشكيلي فقد برع في رسم اللوحة التشكيلية الحديثة والمعاصرة كما انه يعتبر من المصممين المبدعين لأعمال فن الديكور المسرحي، فقد عمل العديد من الديكورات لمسرحيات كانت تقدم في الحلة او خارجها وخاصة للمسرحيات التي كان يكتبها.
كما ان له لونا خاصا به في عملية تصميم"غلاف الكتاب" فقد عمل العديد من التصميمات لأغلفة المجاميع القصصية ودواوين عديدة لشعراء عراقيين وعرب وطبعت في بغداد وبيروت.
وفي بداية تأسيس نقابة الفنانين فرع بابل عام 1975 اخذ نشاط "حامد" الفني يزداد عند مشاركته في المعارض الفنية التي كانت تقام في النقابة او خارج المحافظة فكان هذا ليس على صعيد اللوحة التشكيلية فحسب وإنما مارس الخط العربي كونه احد المبدعين في رسم الخط العربي وتشكيلاته الفنية، وكذلك إعجابه في عملية الخط الفني الحديث الذي عرف ايام السبعينيات وقد عرف من خلاله بانه خطاط ماهر.
كما لا يمكن لنا ان ننسى قدراته وإبداعاته في مجال الرسم الكاريكاتيري فكان كثيرا ما يترجم النكتة برسمه الخاص به حيث نشرت رسوماته في العديد من الصحف والمجلات فلقد كان رساما ذكيا أثناء اختياراته لعناصره الفنية. بعد تخرجه في معهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1960 عين معلما لتدريس الرسم في مدينة كربلاء وبعدها حصل على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية من مؤسسات ومنظمات جماهيرية متعددة ومنها جوائزه في الأدب خاصة في مجال القصة من وزارة الثقافة العراقية، وحصوله على جوائز وزارة التربية لمشاركته في المعارض التي كانت تقيمها الوزارة، وكذلك حصوله على جوائز متعددة من نقابة الفنانين العراقيين المركز العام ووزارة الشباب والاتحاد العام للأدباء والكتاب المركز العام.
وختاما علينا أن نردد نحن أصدقاء "حامد" ومحبيه أنك أنت الذي منحتنا كل معاني الحب الذي يتمثل بحب الفنان لوطنه ولمدينته التي عاش فيها وحبه الصادق للناس البسطاء الذين عرفهم وعاش معاناتهم وكتب عنهم في قصصه الجميلة.
فنحن أذن نزف له تحياتنا الملونة بألوان العشق الصافي، لروحه الطيبة وهي تطرز أحلام السعادة للوطن الحبيب، وتحية أخرى لنظرته الأخيرة التي أودعها لنا وهي مفعمة بالحب الكبير للمدينة التي احتضنت مبدعيها العظام.
الذكر الطيب للفنان الخالد"حامد الهيتي" الصديق والإنسان والمربي والمبدع فاني أراه في كل لوحة رسمها وفي كل كلمة كتبها وستبقى ذكراك خالدة عندي وفي قلوب الآخرين ممن أحبوك...