ادب وفن

الإختلاف بين ( فرانكشتاين ) ماري شيلي وفرانكشتاين في بغداد/ جمعة عبد الله

احتفالاً بفوز رواية ( فرانكشتاين في بغداد ) للكاتب ( احمد سعداوي ) التي حازت على الجائزة الاولى ، في مسابقة الرواية العربية ، احاول في هذه المقالة الاستعراضية ، ان اسلط الضوء ، لتبيان اوجه الخلاف الواسع في شخصية ( فرانكشتاين ) بين الروايتين ، وليس استعراض جوانب اخرى من كلا الروايتين ، ويتضمن متعلقات الخلاف في النواحي التالية : مثل . النشأة . الخالق والمخلوق ، او الصانع والمصنوع ، والعلاقة بين الطرفين . الهدف والغرض ، الجوانب الابتزازية الموجودة . الغاية من المخلوق ، التهديد والانتقام . المشاعر بين الخالق والمخلوق وبالعكس . موقف الناس من المخلوقين . الخاتمة او النهاية لكلا الطرفين . ومن اجل ايجاز هذه الجوانب بوضوح مختصر ، لابد من من فحص الروايتين ووضعهما تحت المجهر ، من خلال الاستعراض الموجز ، يشمل على جوانب الخلاف من خلال هذا السرد .
1- واية ( فرنكشتاين ) للكاتبة البريطانية ( ماري شيلي ) . وهي رواية غرائبية من الخيال العلمي ودهاليزه العجيبة . بان طالب يدرس العلم ( فيكتور فرانكشتاين ) مولع بنهم وبهمة عجيبة وغريبة ، في الابحاث المختبرية التي لها علاقة في كشف سر الحياة ، وعودة الروح الى الجسد الميت ، وكان يجلب جثث الموتى من المقابر ، ويجري عليها ابحاث مختبرية ، ويحاول تجميع الاشلاء السالمة من الموتى ، وتخيطها مع بعضها ، لتكون جثة كامة منقوصة الروح ، وحينما اكتملت الجثة الكاملة ، حتى فزع برعب وخوف ، باستيقاظ الجثة من مكانها التشريحي ، وهي عبارة عن جثة ضخمة ،بشعة ، كالحيوان الوحش ، يقفز من النافذه ، وسط ذهول واستغراب شديد ، هكذا نجح ( فرانكشتاين ) في صنع مخلوق بشع ، ليدفعه ان يخوض غمار الحياة وليجرب حظه فيها ، لكن اكتشف هذا المخلوق المسخ ، بان حياته تسير في طريق مسدود ، دون غاية وهدف ، واحس بانه منبوذ ومكروه من الناس ، وان خلقته البشعة تثير الرعب والفزع عند الناس ، وبذلك خلقت في دواخله روح الانتقام وغزيرة حب ارتكاب الجرائم ، بالحقد والكراهية ، وبذلك صار عدو للبشرية ، ويحمل الحقد وروح الانتقام من خالقه او صانعه ، لانه وجد ابواب الحياة مقفلة بوجهه ، لذلك صار اشد الاعداء لخالقه ( لقد اقسمت الايمان المغلظة على ان انتقم منه ، ليكن اول ضحاياي ) فيرد عليه خالقه ( لقد كفرت بنعمتي ، وجحدت صنعي . انا الذي وهبتك الحياة ، ، لقد كفرت بنعمتي ) فيرد عليه المسخ ( رغم كوني لا اشعر لك باية عاطفة ، سوى الحقد والمقت . ايها الخالق الذي لايرحم . لقد بثثرت في العواطف والاهواء ، وانشأتني من العدم ، لتلقي بي ، في وهاد البؤس والشقاء ) ويرد عليه الخالق ( ألم يكفيك ما أقترفت عليه من جرائم تقشعر لهولها الابدان )
- لقد توقعت منك ان تلقاني بهذا الشكل . الناس جميعاً يكرهوني ويحقدون عليَ ، حتى انت يا خالقي.
- خسئت ايها اللعين تكفر بالذي خلقك ، في استطاعتي ان أذيقك العذاب الاليم
- آوه يا فرنكشتاين .. كن رؤوفاً بي ، لا تكن قلباً متحجر . لقد خلقتني وحيداً لا رفيق لي ، ولا انيس اسكن اليه ، واطمئن على احضانه.
وبذلك انقطع اخر وتر من قيثارة الامل هكذا شعر المسخ ، ولم بيق له ، سوى درب الانتقام ليفج قلب خالقه في العذاب والحزن الاليم ، وليجعل ايامه عبارة عن فواجع محزنة تضرب بسهامها النارية القلب ، حتى يترنح في العذاب الجارح ، وهكذا ارتكب جريمة قتل فاجعة ل ( ويليام ) الطفل الصغير المدلل ، أخ ( فرانكشتاين ) وسبب في اعدام الفتاة البرئية ( جوستين ) المحبوبة لعائلة ( فرانكشتاين )، وبذلك خيمت المأساة الاليمة والمعذبة ، لقد صدقت مقولة المسخ لخالقه بانه ( سيكفر في اليوم الذي ولد فيه ) وخاصة ان مخطط الاجرام البشع يختص بعائلة ( فرانكشتاين ) واحد تلو الاخر يسقط ، وهو مغلول ومقيد اليدين سوى تجرع كأس الشقاء المرير والمهلك ، وتسير الفواجع من سيئ الى الاسوأ ، حين يرسل له المسخ التهديد المبطن بشر الانتقام ، اذا لم يف بمطلبه ( ينبغي ان تخلق لي أنثى أنيها العواطف التي تجيش في جوانحي . وتعلمني الحياة التي احياها . لن يستطيع احد ان يفعل ذلك سواك . فكل ما أرجو ان لا تضرب عرض الحائط . انك اذا حققت امنيتي لن تقع عيناك عليَ مرة اخرى ) وافق ( فرانكشتاين ) على طلب المسخ بذل وتخاذل وقهر معذب ، وشرع بالعمل لخلق انثى تسامره الحياة سوية ، ولكن بعد شهور من العمل ، روادته المخاوف المرعبة ، والتساؤلات الخطيرة ، التي تفجرت في عقله وذهنه ، ماذا لو انجز الطلب ، ماهي عواقبه وشروره ؟ ! ، فانبثقت حقيقة مروعة في ذهنه ، فعرف الخطر المقبل عليه في خلق انثى ( بانها ستكون اعظم كارثة التي سيلحقها بالاجيال المقبلة ، سوف تنصب اللعنات عليه بعد موته ) وعدل عن الفكرة المخيفة ، وفي سورة غضب وثورة هيجان حطم ومزق جسد الانثى ، الموضوع على طاولة مختبره وفجأة دخل عليه المسخ ( لقد حطمت العمل الذي بدأت ، فعلام عولت ، أعزمت على ان تنكث بوعك ) ثم لوح المسخ بالتهديد المخيف ( حسناً ، ساذهب الآن ولكن تذكر جيداً . انني سأكون معك في ليلة زفافك ) وكان الضحية الاخرى صديقه الوفي ( هنري كاليرفال ) ثم جاء دور خطيبته ( الزابيث ) وسيكون موتها في ليلة زفافها ، وهذا ماحدث فعلاً ( اجل ماتت الزابيث ، واحسست برأسي يغلي وساقي يتخاذلان فسقطت على الارض مغمي عليَ ) وبعد ايام فجع بموت والده . وهنا تبدأ المطاردة الرهيبة والغرابية ، بين الخالق والمخلوق ، حتى يداهمه الانهاك والتعب والمرض حتى يستسلم الى الموت ، هكذا قضى نحب ( فرانكشتاين ) وحين عرف المسخ بموت خالقه ، شعر بان لافائدة من وجوده بين البشر ، سوى طريق طريق الفناء الابدي ، ولذلك اختار طريق الموت.
رواية فرانكشتاين في بغداد 2-
هادي العتاكَ ( بائع العاديات ) او ما يسمى ب ( هادي الكذاب ) رجل خمسيني ، قذر الهيئة وتفوح منه رائحة الخمر ، يعيش في فقر مقدع في احد الخرائب المهدمة في منطقة ( البتاويين ) ، من هول حادثة صديقه الانيس ( ناهي ) في حادثة انفجار سيارة مفخفخة ، حتى اشلاؤه تلاشت وتحطمت واحترقت ودفن باشلاء محترقة قد تعود له او لغيره ، وبدأ يجمع الاشلاء السليمة من ضحايا السيارات المفخفخة ، ويقوم بلصقها وتخيطها على شكل جثة كاملة . وكان اخر عضو ليكمل الجثة الهامدة في الخرابة التي يعيش فيها ، ينقصها الانف ، وفي انفجار في ساحة الطيران في بغداد ضد المواطنين الابرياء ، تناثرت اشلاؤهم المحروقة والمقطعة ، لاحت له من بعيد قطعة انف كبير ، فاسرع اليه ووضعه في كيس الجنفاص ، ليضعها على الجثة ، حتى تكون كاملة الاعضاء من الضحايا الابرياء من الارهاب الوحشي ، فتنبعث في الجثة الروح . ويقوم من موته ، ولكن ليحمل اسم ( الشسمه ) ليقوم بدور المنتقم لضحايا الابرياء ، ويأخذ بثارهم وينتقم لهم بما يعرف ( بعدالة الشارع ) بعدما غابت وضاعت عدالة السماء ، وعدالة القانون ، ليكون شفيع الضحايا الابرياء وليس فقط من التفجيرات الدموية في العهد الحالي ، وانما تشمل روح الانتقام من اعوان النظام السابق ، الذين ارتكبوا جرائم قتل وتعذيب ضد الابرياء ، والذين افلتوا من عقاب قانون الدولة ، واستمروا في نعيمهم في النفوذ والجاه والمال ، والتحكم في مصير المواطنين ، وكذلك القصاص من فلول القاعدة ، التي تزج الانتحاريين لقتل الناس ، في السياراتهم المفخفخة ، ان ( الشسمه ) الذي لا اسم له ، يحاول تطبيق عدالة الشارع بكل المجرمين بشتى اصنافهم ومسمياتهم . وحين يسأل الصحفي ( محمود السوادي ) موجه سؤاله الى ( هادي العتاكَ ) ، الى متى يستمر مسلسل القصاص ؟
- سيقتلهم جميعاً ، جميع المجرمين الذين اجرموا بحقه
- وبعدها ماذا يكون ؟
- يتساقط ويعود الى حتفه السابق ، يتحلل ويموت.
اي انه الوسيلة الوحيدة لقصاص والثأر ، حتى تهنأ الاموات في موتها ، بعدما ضاع الحق والعدل والقانون ( الطايح رايح ) ، انه ينجز عدالة الابرياء في الانتقام من مسببي الموت وعذاب الانسان ، ولم يطبق هذه العدالة المتساوية ، سوى ( الشسمه ) او الذي لااسم له . وحين يدخل ( الشسمه ) بيت العجوز ( ايليشوا ) المفجوعة بفقدان ابنها في الحرب ، وتعيش وحدها في خرابة مهدمة في منطقة ( البتاويين ) ، والتي رفضت الهجرة خارج العراق ، لان الامل يراودها برجوع ابنها المفقود ( دنيال ) ، وحين تتطلع الى ( الشسمه ) في عتبة بابها العتيق وبملابسها السوداء ، حزناً على فاجعة ابنها ، تقول له بحنان الام العاطف بالالم المعذب والحزين
- تعال يا ولدي
ويتقدم اليها طائعاً ومستسلماً بتيار الحنان ، وهو يخطو اليها كالطفل ويرتمي في احضانها باكياً للوعتها المعذبة والحزينة ، التي تنشطر لها القلوب باللوعة التي كان مسببها ( ابو زيدون) الرجل البعثي النشط والمجرم ، فقد كان يلاحق ويطارد بدم بارد وحقد اعمى ، المتخلفين والفارين من جبهات الحرب ومن الخدمة العسكرية ، وكان من ضحاياه ، ابن العجوز المكلومة ( دانيال ) الشاب الذي كان يحاول ان يتعلم الموسيقى ، وافضل هدية يقدمها ( الشسمه ) الى العجوز الحزينة ، لتنزع ثوب الحزن ، بالقصاص من المجرم ( ابو زيدون ) وبالفعل نزعت الثوب الاسود ، واوفت بنذور للجوامع والكنائس ، هكذا انعش القلب المفطور والملثوم ، بهذا القصاص العادل ، وبعدها اخذ ( الشسمه ) يفتش عن الانتحاري ، الذي داهم بسيارة الازبال الملغومة ، حارس الفندق البريء الذي تطايرت اشلاءه المحروقة في السماء
- نعم ، ربما يجب ان اعثر عن القاتل الحقيقي لحارس الفندق ، حتى تهدأ روحه وينتهي من النواح.
وتتكاثر عمليات الانتقام والقصاص هنا وهناك لكل المجرمين من كل الانصاف ، ثم يتذكر ( الشسمه ) بان ( هناك رجل في تنظيم القاعدة ، يقيم في احد البيوت ، وكذلك ضابط فنزويلي من المرتزقة ، يعمل في شركة امنية تعمل في بغداد ) وهي الشركة المسؤولة ، عن جلب الانتحاريين ودفعهم لقتل الناس الابرياء ، يشعر ( الشسمة ) اتساع مسلسل قتل الابرياء ، دون ان يجد نهاية ، بفعل غياب عدالة السماء وعدالة القانون ، الذي في قبضة ايادي غير نزيهة وغير مسؤولة ، كأنها لا تشعر بذرة من حجم العذاب المدمر للعوائل المفجوعة بأبنائها الابرياء ، كأن لهؤلاء المسؤولين عن حماية الناس ، قلوب من حجر لاتعرف معنى الشفقة والشفاعة والاحزان ، لهذا يكون ( الشسمه ) نصيرا للذين لا ناصر ولاشفيع لهم ، انه الامل الوحيد لعدالة الشارع ، ولهذا يتسور بعطف وحنان ومحبة الناس له ، حتى ان بعضهم يتوسل اليه بشغف واجلال ، ويعطيه السكين ليقطع اعضاء من اجسادهم ويقولون له ( خذ من اجزاء جسمي ، ما تحتاج من قطع الغيار ) ليواصل مسيرته في مناصرة الضعفاء والابرياء ، ولانه يحتاج بين فترة واخرى الى تبديل القطع التالفة من اعضاء جسمه ، بفعل الرصاص الكثيف الذي يواجهه في كل عملية انتقام وقصاص ، وان جسمه كله ينتمي الى اشلاء الضحايا الابرياء . ان العلاقة المحبوبة وصلة الوصل والتفاهم والتناغم بين الخالق او الصانع ( هادي العتاكَ ) وبين المخلوق ( الشسمه ) الذي لااسم له ، بالمحبة الابوية ونظرات التعاطف والود والقهر والحزن ، التي تلف بحياة شاقة ومزرية ، التي يرنخ تحتها ( هادي العتاكَ ) وهو يصارع ضنك الحياة المضنية ، لاشئ يملك من هذه الدنيا الظالمة ، حتى الخرابة المهدمة ،التي يأوي اليها ليست له ، وحالفه الحظ باعجوبة نادرة من الموت المحقق ، من سيارتين مفخفختين ، وكان الانفجار الثاني اشبه بالموت ، فقد تشوهت اجزاء جسمه واحترق وجهه ، حتى اصبح وجه مرعبا بالحروق المشوهة. حتى حين نظر هو الى المرآة فزع من منظره المخيف والمرعب ، حتى يأس من كابوس الحياة الجاثم عليه ، وزاد الطين بلة وفداحة بالظلم ، بان السلطات الامنية القيت القبض عليه ، بتهمة انه المسؤول الاول ، عن عمليات القتل والارهاب المروعة داخل بغداد ، التي ادخلت الرعب والهلع في نفوس الناس ، وعرضوه على الناس في الشاشات ، بانه صيد ثمين لعيون السلطات الامنية الساهرة على امن المواطنين ، واعتباره نصراً عظيماً كاسحاً ، ليسجل لمآثر السلطات الامنية ، في انقاذ الناس من مجرم شرير وخطير ، هكذا وصل المصير الاسود ل ( هادي العتاكَ ) المسكين المسالم ، يدلل على الخواء والنفاق من قبل الجهات المسؤولة ، التي دفعت الناس الى الرقص والاحتفالات في الشوارع، ابتهاجاً بالنصر العظيم الذي تحقق ، و ( الشسمه ) يظل حياً ، يواصل عمليات الثأر والانتقام لاعداء الحياة من المجرمين ، وطالما غابت عدالة السماء وعدالة القانون ، تظل نصير الضعفاء والمظلومين والابرياء ، عدالة الشارع.