ادب وفن

المنتدى العراقي في بريطانيا يستذكر شاعر الحرف المبدع / عبد جعفر

أقام المنتدى العراقي في بريطانيا أمسية أستذكارية للفنان والشاعر محمد سعيد الصكار الذي غادرنا يوم 24-3
وذلك في كنسية ريفركفورت في همرسمث غرب لندن يوم 9-5. وأشترك فيها كل من الفنان والشاعر صادق الصائغ، والإعلامي والشاعر فلاح هاشم.
وفي بداية الأمسية تحدث فلاح هاشم قائلا: (قبل أسبوع من رحيله.. وأثناء حفل تكريمي له في باريس.. دخل الصكار القاعة مخالفا أوامر الطبيب.. لم يكن المفاجئ يومها أن يكون مقعدا على كرسي متحرك.. لكن المفاجئ أنه كان يردد: حبري أسود..حبري أسود.. لا تطلبوا مني أن أرسم قوس قزح.
كل نفس ذائقة الموت.. لكن المؤلم حقا أن يموت الأنسان حزينا وبعيدا عن وطنه الذي وضع شمعة من أجل تقدمه وأزدهاره وبلوغ ناسه ما يستحقون من حياة كريمة، فلا يعود ألا جسدا فارقته الحياة. بل كثير من مبدعينا لم تعد حتى جثامينهم الى الوطن. تلك هي تراجيديا الأنسان العراقي منذ عقود).
وأضاف أن الصكار عاش مسكونا بيوميات شعبه، عاشقا لمفردات بيئته العراقية، غارقا في لجة ثقافتها الشعبية والتراثية، ناهلا من نبع أولئك الرواد الذين أبدعوا شعرا ونثرا وفنا.
وأكد أن الصكار لحسن الحظ لم يكن من الذين يوقعهم اليأس ولا ينتفضون. وقد تمثلت انتفاضته في احتضانه فنه وأدبه منتجا لا يضمر توهجه ولا تتوقف ريادته وبحثه في كل ما دارت فيه مواهبه. فحين رحل كان قد أغمض العينين عن أربعة عشر كتابا في الشعر والمسرح والرواية والقصة و البحث وفي الخط العربي الذي سيذكر التاريخ أنه واحد من أهم مجدديه و مبدعيه في العصر الحديث. ولن نجزيه حقا بأن نقول أن الصكار كان خطاطا. هناك خطاطون عظماء كثار في الوطن العربي وخارجه، لكن ميزة الصكار أنه لم يكن خطاطا تقليديا يجيد فقط أنواع الخطوط المعروفة منذ إبن مقلة وإبن البواب. لقد أخذ الخط العربي الى فضاءات جديدة، تعامل مع الحروف بروح شعرية، عكس فيها شاعريته وهو الذي يقول : أنا شاعر في خطي وملون في شعري!
وأضاف أنه واضع خط (البرحي) الذي غيره فيما بعد الى (البصري) لصعوبة نطقه من قبل الأجانب، وأستمده من البيئة البصرية حيث وظف شكل تمرة البرحي في تكوين الحرف مما أضفى عليها جمالية متميزة.
وأضاف أن الصكار أمتار برهافة الحس وطيبة المعشر والتواضع ودماثة الأخلاق وقبله المفتوح للمحبة ومواقفه الوطنية.
كما قرأ فلاح هاشم مقالا طريفا كتبه الفقيد لرسالة العراق في عددها 33 في 1997، يتحدث كيف أنقذهم صاحب المقهى الطيب، بسكب الماء عليهم كي يبعدهم من الجلوس بالقرب من رجال البوليس السري.
وفي مداخلته أكد صادق الصائغ أن الصكار عالم مهول بأجناس مركبة والتي تنعكس في إبداعات المختلفة، وهو مؤسس لمناخات صداقية لاتنحصر على الذين يعرفونه.
وهو مشروع قائم حتى بعد موته، أذ ترك لنا اشياء عديدة قابلة للنقاش والتطوير.
وأشار الى أن النهوض الذي شهدته فترة الخمسينيات وتميزت بظهور الهيكلية الفكرية في العراق في مجال السياسة والاجتماع والفنون والآداب. ساعدت على نهوض الخط الذي كان عنصرا نائما ينتقل من يد الى يد كإستنساخ وينحصر في المراسلات وفي الكتب الدينية، ولكن مع التطور الذي شهدته الصحف في الخمسينيات برزت الحاجة الى الخطاطين، والمصممين. الصكار الذي كان يعيش في البصرة تجاوب مع إيقاع بغداد ، أذ برز برؤية لا تعتمد النقل والتقليد، فغير كثيرا في شكل الحرف والتصميم، مما جلب الإنتباه اليه، وفي الوقت أثار غيض التقليدين الذين أخذوا يمقتونه.
وما زاد من الحصار عليه تدخل الدولة (قيادة حزب البعث) لإخضاع الثقافة لفكرة واحدة وإدعائها أن الحرف العربي منسوب الى العرب، في الوقت أن كل الدراسات لا تثبت ذلك.
وأتهم أن حروفه التي ستخدمها من أصل عبري. وبعد نفاذه من حصارهم المقيت، واصل الصكار جهده في الخط وزادت اصداؤه في البلدان العربية حتى أن السعودية طلبت منه أن يخط كتابة لبوابة مكة.
وفي إقامته في فرنسا ومن خلال المعهد العربي افتتحت له أبواب واسعة للعمل ولمع أسمه.
وأشار الصائغ الى أن خط الصكار إمتاز بالرقة العجيبة والنحيفة التي تشبه شخصه، وفيه رومانسية وليونة حيث يوظف عناصر أخرى، أذ تشعر في حركتها الموسيقى وتبدو الحروف كراقص على مسرح البالية.
والصكار ينقل في خطه كل طاقته الشعرية الى المشاهد. وأمتاز أيضا بالمزواجة بين الخطوط التي كانت في السابق من المحرمات عند الخطاطين التقليدين.
وتحدث عن شخصية الصكار وما تربطه من علاقة معه وقال أن عذوبته تنتقل الى الأخرين، ويمتاز بروح المداعبة في إشعاره الشعبية.
وقال أن مشروع الصكار مهم جدا وعلينا أن نحافظ عليه من الضياع والإهمال وتبيان قيمته الجمالية أزاء الاستهال واستخدام أجهزة الكومبيوتر في الحرف.
وشدد أذا لم يدخل الخط النسيج الاجتماعي والثقافي مرة اخرى فانه سيجف ويموت وسيكون واحدا من الأثام التي يحاسبنا عليه التاريخ.
ويذكر أنه وصلت هذا المهيب الذي حضره حشد كبير من أبناء الجالية، برقية من السيدة ريا أبنة الفقيد أكدت فيها شكرها للمجتمعين في أستذكار والدها.