ادب وفن

مواقف الرفض تتواصل في الحرب والسلم*

كثيرا ما يتوهم الطغاة بأن تصعيد استبدادهم وتطوير وسائل القمع وكبح التطلعات الانسانية للناس يحقق لهم واحدة من أخطر اهدافهم وهي الهيمنة على مصائر الناس والبلاد، وبالتالي يحقق قبول الناس لأفكارهم وطرائقهم في الحكم. لكن وقائع التاريخ اثبتت ان احلام هؤلاء هي محض اوهام، فكثيرا ما ينهض الوازع الانساني في نفوس المضطهدين ويوصلوا رسائل رفضهم للطغيان لتؤسس لتمرد فعال يهدد وجود الطغاة. قصة الصديق "صبيح عبدالله" "كماشة الخطر" اتجهت لتحقيق ادانة قصوى لعمليات القتل المجاني للابرياء التي تنفذها قوى لها مصلحة في تفتيت المجلمع وكسر استقراره، ولكي تحقق هذه الدرجة القصوى من الادانة لجأ الكاتب الى الفنتازيا والتجريب. السارد الذي قرر رفض قرار جهة غامضة ارادت تحويله الى قاتل بتكليفه تنفيذ مهمة قتل احد الضحايا، وجد فجأة فيما يشبه الاستغراق الحلمي ان ثمة جنازة يحملها الناس في شارعهم. ثم تتصاعد دهشته حين يكتشف ان الجثة التي يحتويها النعش هي جثته فتتحول الدهشة الى صدمة. النتيجة واحدة سواء كنت قاتلا ام رافضا للقتل. الغرائبية التي اثثت السرد تحركت ضمن التقرير المسترسل، لكن ما انقذ السرد التقريري من حالة الترهل هو التصوير الداخلي للشخصي التي القت ضوءا على مقومات تغيير موقف السارد باتجاه التخلص مما فرض عليه من قبل القوة الاجرامية الغامضة.
الشاعرة "خديجة الحمامي" بعثت الينا جزءا من يوميات تتضمن التقاطات من الواقع العراقي اطلقت عليها عنوان "الذود عن الوطن" تتحدث عن حادثة بطولية يقوم بها جندي مكلف بمحاربة غول الارهاب الذي يقضم ارواح الناس بشكل يومي دون رادع حقيقي يوقفه عند حده، فتصاعدت فورة وجدانية شجاعة في نفس واحد من ابطال هذا الزمان ليمسك بخناق احد القتلة ويمنعه من ارتكاب جريمة التفجير الانتحاري. فيمنع كارثة كان يمكن ان تودي بحباة العشرات من الابرياء،لكنه دفع ثمن ذلك حياته. تستجيب روح الشاعرة لهذا الحدث بمزيج من الحزن والسعادة بسبب الاحساس وخسارة هذا البطل وبسبب اكتشافها لروح البطولة القائمة على التضحية في سبيل الآخرين من ابناء الوطن. لذلك الهم الحدث الرائد الشاعرة لإطلاق بضعة ابيات من الشعر العمودي تحية للبطل. اليوميات هي نوع من الخواطر المندمجة مع الخبر وقد تتخذ شكل القصة الوقائعية مع دفق من الشحن العاطفي وقليل من الخيال. وقد استطاعت الحمامة تجسيد هذه المزايا مزينة بالشعر.
مجموعة من القصص القصيرة جدا للصديق القاص "رحيم رزاق الجبوري" حملت عنوانات: شظايا، ظلام، مشهد، حرب وزيف وكلها تحكي عن تراجيكوميديا تحالف الارهاب والفساد ضد البشر. هناك مقياسان لهذا النوع من القص وهما المقياس الكمي والمقياس الكيفي اي النوعي، الاول يتعلق بحجم النص الذي قد يتراوح بين جملة واحدة ونصف صفحة واحيانا اكثر والثاني يخص توظيف عناصر القص الاساسية المتمثلة بالثيمة والصراع والشخصيات والزمان والمكان والتعامل معها على اساس التكثيف والايحاء والترميز وجمل أو جملة الصدمة، وقد لاتكون جميع هذه العناصر ظاهرة في ?لنص لكنها متوارية خلف النص ومعرضة للكشف عن طريق الايحاء. إن الوظيفة الاساسية لهذا الضرب من القص الذي يطلق عليه قصة الومضة ايضا هي ايصال رسالة ملغزة الى الانسان المستلب والمضطهد المغلوب على امره وإيقاظ وعيه حول ما يدبر ضده وضد مصائره. استطاعت القصص إيصال رسالتها لكننا نقول لصديقنا ان قصة "ظلام" اتسمت بالمباشرة والوعظية ما افقدها اخطر عناصرها وهو الصدمة، كما إن هناك نوع من الترهل في نهايتها وهذا يتعارض مع صفة الإيجاز المدهش لهذا النوع من القص، على العكس من قصة "شظايا" التي حفلت بالضربات الغرائبية والفنتازية الصادمة الخلابة.
قصيدة "فاكهة المعنى" للصديق "لويس فؤاد عمار" تعرض تكاملا بين اللفظ الموجز والخطاب الثيمي القائم على الانتصار لحقوق المرأة. اضفت القصيدة نوعا من العمق على مفهوم الحقوق فهي لا تتعلق بالجوانب المادية لهذه الحقوق بل بعمق المفهوم والمعنى الذي اكتسب صفة الفاكهة. الخطاب الشعري قائم على المقارنة بين المفاهيم عبر المقارنة بين العتمة والنور، وصار المعنى في عرف المرأة هو الذي يقرر حقها في الاستيعاب الحقيقي لحقوقها. النص يوحي ببعض ميزات قصيدة الومضة وهو فن صعب يحاول الشعراء ترسيخ كينونته الجديدة في جسم الادب. نعتقد ان لويس فؤاد يمتلك القدرة الواضحة لانتاج هكذا ضرب من الشعر.

المحرر الصفحة الثقافية جريدة طريق الشعب*