ادب وفن

التشكيلي اسامة عبد الكريم ختلان: أرى العالم من حولي ابتسامة! / كمـال يلدو

يصف الرسام العالمي بابلو بيكاسو الفنان بأنه " كتلة من المشاعر والأحاسيس التي تأتيه من كل مكان، ومن اي مكان ممكن، من السماء أو من الأرض، وربما من قطعة ورق تطير، أو حتى من جسم هندسي يمضي من امامه، او قد يجدها في شبكة عنكبوت بزاوية المكان المهملة". اذن هذا هو الفنان، المرهف بحواسه ونظراته، وحتى بطريقة مسكه للفرشاة او كأس الماء. هو انسان مثلنا، يضحك ويفرح ويتألم، يأكل وينام، لكن منجزه الإبداعي هو الذي يجعلنا الى اليوم نحتفي بآثار نينوى والثور المجنح، ونستمتع بـ "كلكامش" و"الألياذة" وتبهرنا فكرة "الجنائن المعلقة" و "برج ايفل"، وننسب مشاعرنا الى "نصب الحرية" و مسرحية "النخلة والجيران"، ونطرب لسماع "طالعة من بيت ابوها" و "مقامات الكبانجي ويوسف عمر"، وتهزنا إعجاباً تصاميم زها حديد ورسوم الفنان اسامة عبد الكريم. فكل منهم يستذوق الماء ويصفه بطريقته الخاصة، لكن الكل يجمع على ان "الماء" يروي غليل العطاشى! هكذا هو الفن، والأنسان والثقافة والحياة ، توائم لا تفترق. أثناء حضوره للحفل الذي أقامه انصار الحركة الوطنية العراقية للعيد الثمانين لميلاد ربيعها الدائم، وإقامته معرضاً لرسوم الكاريكاتير، التقيت بالفنان المبدع "اسامة عبد الكريم ختلان" وسألته عن البدايات:
- انا من مواليد محافظة الديوانية. كنت مولعا بالفن منذ طفولتي، لكني رفضت شروط "البعث" للقبول في أكاديمية الفنون أو معهد الفنون الجميلة، لأنها كانت مهينة، وكان ثمن رفضي، حرماني من الدراسة فيهما. بيئتي في المنزل كانت أحد أهم العوامل التي ساعدتني. كان والدي، معجباً بالفن، وكان وهو مدير مدرسة الإرشاد الأبتدائية، التي درست فيها، يهئ الطاولة الفنية (كل يوم جمعة) ويضع عليها الأوراق والألوان (الباستيل) ويدعوني للرسم. أخوتي شجعوني أيضاً وخاصة هشام، الذي كان هو الأخر يرسم ويعزف الموسيقى. كان عليّ ان اروي عطش خيالي من الأمور (الفنتازية)، فرحت أتردد على مكتبة فنان الكاريكاتير الرائع "خضير عباس الحميري"، الذي كان يفترش الرصيف بمبيعاته، وأشتري منه آخر ما صدر من اعداد (سوبرمان والوطواط وعلاء الدين وســمير)، ثم تطور ذوقي ليشمل مجلتي الفكاهة وحبزبوز. في ذلك المكان، وبينما انت تستكشف (مكتبة - رصيف) السيد خضير، كانت تهاجمك واحدة من اجمل روائح الزمان، الا وهي معجنات السيدة الفاضلة "ام خضير" والتي كانت تضاهي ان لم اقل تتجاوز، افضل المعجنات الفرنسية والأيطالية، مثل "الكليجة" و "الخفيفي" و "الخبز الحار"، فقد كان عطر الهيل والحبة حلوة والتمر، مثل شباك الصياد التي لا تفلت منه حتى امهر الاسماك دهاءً، فكنا نستسلم للرائحة ونجالس السيدة الرائعة "ام خضير". لقد ساهمت في فعاليات (النشاط المدرسي) ونلت دعم بعض المدرسين (الكواكب) الذين كان لنورهم البهي مكان، مازال يشع في طريقي، وأخص بالذكر الاستاذ (عـرّاك الحديثي) الذي كان يخـرّم رسوما طبيعية على قماش أحمر. وأذا كان الحديث حول تلك البدايات، فلا بد لي من الأشارة والأشادة بدور زملائي في (اتحاد الطلبة العام) و (اتحاد الشبيبة الديمقراطي) الذين رعوني منذ نعومة اظفاري وشجعوني على الرسم، كذلك للفرصة التي اتيحت بنشر نتاجاتي في رسوم الكاريكاتير ورسوم الاطفال بين عامي 76-1977 بعد مشاركة في معرض "نقد الظواهر الأنتاجية" الذي اقيم على قاعة (كولبنكيان).

 أنت لم تتمكن من دراسة الفن في العراق، فكيف صقلت موهبتك؟

- ربما كانت البداية في جريدة "طريق الشعب" الغراء، التي كانت بالنسبة لي مدرسة مهمة لصقل موهبتي في فن الكاريكاتير ورسوم الأطفال والأطلاع على تجارب العاملين ايضا، وأخص بالذكر الفنان الراحل "مؤيد نعمة" وكذلك الفنانين نبيل يعقوب والمصور حسين سلمان وغيرهم من الأصدقاء. وقاومت حرماني من الدراسة الأكاديمية بسبب رفضي لشروط النظام المهينة، كي أقبل في الأكاديمية، بالتوجه الى مراكز الشباب والنشاطات المدرسية والمشاركة بأقامة المعارض في الهواء الطلق، وزيارة قاعات العروض الفنية والمراكز الثقافية والنوادي الأجتماعية وغيرها. وبقيت أحلم ان ادرس الفن ومن اهم منابعه العالمية، فكانت ايطاليا الوجهة. فبمساعدة بعض الأخوة في أربيل وصلت إيطاليا عام 1980، ورافقت هناك عدداً من الفنانين منهم الشهيد فؤاد يلدا. ثم إلتحقت بقوات الأنصار وعملت في قاطعي السليمانية وأربيل. لقد صقلت تلك السنين، تجربتي السياسية والفنية، وعلى الرغم من ظروف الطبيعة القاسية، والحالة النفسية الصعبة وهجمات النظام المباد، فقد كان للعمل الفني حضوره، وأذكر اني اقمت معرضا شخصيا في قاطع اربيل كان اسمه "اشجار عارية"، كما ساهمت بالكتابة والرسم في المجلات الأنصارية. بعد معارك الأنفال الكيمياوية، عدت الى ايطاليا ومنها الى الولايات المتحدة.

 ما الذي تضيفه اليك الأمكنة هنا؟

- كانت ومازالت مدينة "نيويورك" واحدة من اكثر مدن العالم عصية على الفهم! بصخبها وأهلها، بجمالها وببناياتها، بأطلالتها على المحيط ومهرجاناتها وبكل ما يشكل منها مدينة مثالية للفن والثقافة. قصدتها في العام 1990 عشية غزو العراق للكويت، ومازلت مقيما فيها. اعمل وأنشط هناك بعد ان اكملت دراسة فن الكرافيك على الحاسوب، حيث جعلت التصوير الضوئي يمتزج مع الألوان المائية والأكريليك، فشرعت بأقامة المعارض الفنية. ومما يفرحني ان العديد من النقاد قد تناولوا اعمالي وأخص بالذكر منهم الناقد والشاعر الأمريكي (جوناثن كودمان)، كما لا اخفي لمن يسأل بأن اكثر المدارس الفنية التي تأثرت بها، كانت المدرسة الأمريكية في التجريد.

 وما هي أهم مشاريعك اليوم؟

- انا ارسم بأستمرار مثل مشاهدة فلم سينمائي او معرض تشكيلي، ففي الشتاء أكون داخل مشغلي في البيت والأستوديو متفرغا لأعمالي الفنية والكتابية، اما في الصيف، فأني ارسم الوجوه والناس، ارسم الفرح ايا كان. اخرج الى الهواء فتجدني في الحدائق العامة، خاصة تلك المخصصة للفنانين، سارحا بتلك الفرشاة والقلم والوجوه. اكتب للعديد من المواقع الأكترونية ومنها موقع (الناس)، وبقدر الأمكان احاول المشاركة في بعض المعارض (التي تعرض علي) وأذكر منها مشاركاتي في "كاليري الكوفة" بالعاصمة البريطانية لندن في نهاية التسعينات. وفي العام 2012 اقمت معرضا تشكيليا مصحوبا بمقاطع من الشعر الكردي، والآن اتطلع للجزء الثاني. وفي العام 2013 كان لي بأربيل ، وفي (قاعة ميديا) معرض كاريكاتير لمناسبة احتفالات نوروز، للأسف لم تتسن الفرصة لي ان اكون مع المعرض، على اني مواظب على المشاركة في المعارض والمسابقات منذ اكثر من 20 عاما، وفي رصيدي عشرات المشاركات التي اعتز بها.

 وماذا عن أخر هموم الوطن؟

- كوني رساما، اهتم بالوجوه وأرسمها، فهذا لم يمنعني ابدا ان ترسم فرشاتي واقعنا العراقي، وإظهار تلك العيوب التي يجهد اصحابها في إخفائها بمساحيق التجميل، التي تضيف الى قباحتها قبحا. ان الوضع غير مستقر، وهؤلاء الساسة اخذوا البلد الى مكان مظلم ومعتم بسياسة المحاصصة الطائفية والفساد الأداري والمالي، وحرمان البلد والشعب من فرص التقدم، كذا مع ترسيخ المفاهيم والقيم الغيبية وتشجيع الخرافات ومحاربة العلم. والمعرض الذي اشارك فيه بهذا الحفل الكبير وتحت عنوان (مو ملّينا) هو صرختي ضد الجهل والتخلف والمحاصصة والتزوير والسرقة والفساد الأداري والطائفية. لست خياليا، مع ما تحتمله الكلمة من معان خاصة فيما يتعلق بالفنانين. انا ارسم، وغالبا ما ازرع البسمة على وجوه الناس، حتى وأن لم تكن موجودة، فهذه هي مهمتي، فكيف يكون الأمر مع اهلي وناسي اذن. نعم ، انا اتمنى وأحلم وأرجو وأنتظر وأتطلع لليوم الذي تستقر فيه اوضاع العراق، ويعيش اهله بالأمان، وتنعم فيه الطفولة والمرأة بالسعادة والرقي.

الفنان في عيون النقاد

(أرى في لوحة ختلان حقولا.. حقل تجريد، وحقل كلام، وحقل تصوير من واقع مضى. وفي لوحته حالات.. حالة تجريدية تلعب حركة وحرية الفرشاة، وكذلك حساسية الفنان المرهفة في اختيار الالوان، وتوزيعها الدور الاساسي في خلق ايقاع اللوحة المتقلب، والخارج على المناخ اللوني والشكلي المتعارف عليه لدى الفنانين العرب عموما. وحالة تحيل الى الواقع عبر صورة فوتوغرافية عالجها مرة باضافة طبقة لونية من صبغة الاكريل البلاستيكية) الفنان علي المندلاوي
( أنه يبدأ رحلته بالصورة السالبة، غالباً بالكشط بأداة حادة دقيقة من خطوط محمومة أقرب الى ضربات فرشاة هارتونج محدثاً في بعض الحالات ما يشبه الانفجارات الشمسية في مدار تتحرك فيه أفلاك أو رغبات مطفأة ومحبطة) الناقد أحمد مرسي