ادب وفن

واقع الإعلام الموجه للطفل / داود أمين

داود أمين

المقدمة
ألأطفال هم نساء ورجال المستقبل، والاهتمام بالأطفال ورعايتهم نفسياً وفكرياً ومعرفياً، وإشباع حاجاتهم الروحية، هو شأن لا يقل عن الرعاية الصحية والجسدية لهم، وعن إشباع حاجاتهم المادية من غذاء ولباس ودواء!
ومن أجل تحقيق هذه الغاية النبيلة والأساسية في حياة الطفل، ومن أجل الاطمئنان لمستقبل أكثر إيجابية لنساء ورجال الغد، يلعب الإعلام الخاص والموجه للأطفال دوراً أساسياً في تكوين طفل سليم من الناحية النفسية والفكرية، طفل تستطيع أن ترى فيه ملامح جيل الغد، وتقاسيم البشر الذين سيرسمون خطوط المرحلة القادمة!.
ولما كان خطابنا يتناول الطفل العربي، وموضوعنا عن الإعلام الخاص يستهدف شريحة الأطفال العرب دون غيرهم، وليس الأطفال عموماً، إذ لكل شعب وأمة أساليبها التربوية "ومن بينها الإعلامية" لتحقيق الأهداف التي تنشدها والرسالة التي تبتغيها، لذلك سنحاول في مادتنا التالية تقديم صورة عن الإعلام والصحافة الخاصة بالأطفال العرب، عن تأريخها وبداياتها، وعن حاضرها، وهل هي بمستوى الأهداف والطموحات، وعن دور الحكومات والمنظمات الخاصة في هذا الموضوع.

شيء من التأريخ

نحن نعيش الآن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، حيث التكنولوجيا بلغت مراحل متطورة ومتسارعة تشبه الخيالات والأحلام بالنسبة لبشر عاشوا قبلنا بقرن واحد فقط من الزمن ! فالفضائيات تملأ سماء كوكبنا، والانترنيت سلعة عادية يستطيع من يشاء أن يحوز ما توفره من خدمات، والهاتف النقال في يد من يشاء... الخ، وفي قلب هذه التكنولوجيا الحديثة قفز الإعلام قفزات مذهلة وتنوعت أساليبه وطرقه ووسائل وصوله للناس، ولما كنا نتحدث عن التأريخ، وعن التأريخ القريب نسبياً، وليس ذاك التأريخ الموغل في القدم! فإن ألأمر لم يكن هكذا عل? الإطلاق، فالإعلام كان مقتصراً على الصحف والمجلات بشكل رئيسي، إذ لم يكن الراديو أو التلفزيون أو غيرهما قد ولدوا بعد ! ولما كان حديثنا عن الإعلام عموماً، يؤكد إقتصاره على الصحف والمجلات، أي على الإعلام المقروء، فإن الإعلام الخاص بالأطفال، في تلك المرحلة، لم يخرج من إطار الصحف والمجلات! ففي الثلث ألأول من القرن التاسع عشر ظهرت في أوربا أول بوادر لمجلات أطفال في العالم، وفي فرنسا تحديداً صدرت أول صحيفة للأطفال عام 1830.
وفي الدول العربية، ظل الأمر للثلث الأخير من القرن التاسع عشر، أي لعام 1870 حيث طبعت أول مجلة خاصة بالأطفال في مصر، تبعتها في مصر أيضاً مجلة أخرى إسمها "التلميذ" في نفس العام، وقد أصدرتها جمعية التعاون الإسلامي، وبعد أكثر من ربع قرن أصدرت جمعية التأليف العلمية المصرية عام 1897 مجلة "السمير الصغير"، ثم تلتها العديد من الصحف والمجلات، ومن بينها مجلة "الأولاد" المصورة التي أصدرتها دار اللطائف عام 1923، وكان رئيس تحريرها "إسكندر مكاريوس" وكانت إسبوعية وقليلة الصفحات وغير ملونة. وفي عام 1956 صدرت مجلة "سمير" عن دار الهلال المصرية، ثم مجلة أخرى هي "ميكي" عن الدار نفسها، وهي نسخة من المجلة الأمريكية الحاملة لنفس الإسم لمؤسسة والت ديزني، وإستمر صدور المجلات والصحف الخاصة بالأطفال في مصر، وهي بالإضافة لما سبق مجلات "علاء الدين، الدنيا، الفردوس". أما في البلدان العربية الأخرى فقد تأخر الأمر كثيراً أو قليلاً حسب ظروف كل بلد، ففي العراق صدرت بعد عام 1922 مجلات مدرسية للأطفال مثل "التلميذ العراقي" ومجلة "المدرسة" ومجلة "صندوق الدنيا" و"دنيا الأطفال" وإستمرت هذه المجلات بالصدور والتوقف، حسب الظروف حتى عام 1969 حيث صدرت "مجلتي" و"المزمار". وفي سوريا كانت التجربة تشبه تجربة العراق فقد بدأت بمجلات مدرسية مثل "تعال نقرأ" وصحيفة "رافع" وفي عام 1969 صدرت مجلة "أسامة" عن وزارة الثقافة السورية.
وفي الكويت صدرت مجلة "العصافير" وهي نسخة عن مجلة ميكي الأمريكية! لكن مجلة "العربي" الشهيرة والتي تصدر أيضاً في الكويت أصدرت ملحقاً مجانياً لها سمته "العربي الصغير". وفي السعودية صدرت عام 1959 مجلة "الروضة" التي توقفت بعد 27 عدداً من نفس العام، أعقبتها بمجلة "حسن" عام 1977. وبعد الستينات تحسنت وإزدادت صحافة الأطفال في معظم البلدان العربية، ففي سوريا صدرت "الطليعي" وفي السعودية صدرت "باسم، الشبل، الرواد، سنان، فراس، بالإضافة الى مجلة حسن"، وفي الكويت "سعد، سدرة، سلام، براعم الإيمان"، وفي الإمارات مجلة ماجد"، وفي العراق "علاء الدين، المسيرة، بالإضافة لمجلتي والمزمار"، وفي الأردن "فراس، وسام، براعم عمان"، وفي لبنان "أحمد، سامر، بساط الريح، سندباد"، وفي تونس صدرت "عرفان، الشيماء"، وفي المغرب "زهور"، وفي ليبيا "الأمل"، وفي الجزائر "جريدتي، أمقيدش"، وفي السودان "الصبيان ، مريود"، ومن الجدير بالذكر إن معظم هذه المجلات الخاصة بالأطفال أصدرتها جهات حكومية أو بعض الصحف اليومية التي خصصت صفحات خاصة بالأطفال.

الإعلام ليس مجلات وصحفاً فقط!

بالرغم من الدور الهام والأساسي الذي لعبته الصحف والمجلات الخاصة بالأطفال العرب، والتي أشرنا لأسمائها وأمكنة إصدارها، في تعبئة وتوعية الأطفال الذين كانت تصل إليهم، إلا إننا نجد أن هناك ضرورة للتأكيد على أن تلك المجلات والصحف ، خصوصاً في بداياتها، لم تكن جذابة من حيث الشكل، فقد كان الكثير من موادها يفتقر للصورة وللألوان، كما أن الكثير من مضمون موادها، لم يكن جذاباً ولا مناسباً لأعمار ومدارك الأطفال الذين يخاطبهم، فاللغة عصية وغير مبسطة، كما أنها لاتصل لجميع الأطفال أو لأغلبهم على ألأقل، بل تحظى بها فئة قليلة?من أطفال الميسورين وذوي الدخل المرتفع، وعندما تطورت هذه الصحف والمجلات من حيث الشكل والألوان وحجم المادة المكتوبة وتنوعها، تدخلت الدولة وسياستها وفكرها وتوجهاتها في مضمون ما يُنشر فيها من مواد، وهذا ينطبق على جميع الدول العربية التي وقفت حكوماتها خلف إصدار تلك المجلات والصحف الخاصة بالأطفال، ولا زال هذا الأمر سارياً حتى اللحظة.
قلنا أن الصحف والمجلات الخاصة بالأطفال، كانت هي الميدان الوحيد أو الأول في مخاطبة الأطفال وإقتحام عالمهم، ولعقود من السنين، وهو أمر مفهوم لأن تلك المرحلة كانت مرحلة "الصحافة المطبوعة"، ومع إختراع الراديو، أصبحت هناك برامج خاصة بالأطفال في هذا الجهاز الجديد، ولكنها أقل جذباً لهم بسبب طبيعة جهاز الراديو الذي يعتمد الأذن وسيلة للتواصل بين المرسِل والمتلقي، والطفل بطبيعته معروف بقلة الصبر، وربما لا تشده مادة يسمعها، ولفترة قد تطول! ولكني أذكر في هذا المجال برنامجاً كان يُبث من ألإذاعة العراقية، بعد ثورة 14 تموز عام 1958 وعنوانه "مرحباً يا أطفال" يقدمه "عمو زكي" وكنت وقتها أحد المتابعين والمشدودين لهذا البرنامج الشيق. ثم جاء إختراع التلفزيون ليمنح ألأطفال الحلم الذي كانوا ينشدونه، فالمادة هذه المرة مصورة ومتحركة وحية، بل وملونة أيضاً وقد إلتفت المعنيون بشؤون الطفل لخطورة وأهمية هذا الجهاز، فقرروا أن يكون للطفل حيز مناسب فيه، ولكن لما كان جهاز التلفزيون وإدارته وتوجيهه هي في الغالب الأعم بيد الدولة، لذلك فإن توجهات كل دولة الفكرية والسياسية طغت على ما تبثه أجهزة تلفزيوناتها، بما في ذلك مادتها الموجهة للطفل، ثم أن حداثة هذا الميدان الجأ الكثير من محطات التلفزيون العربية الى الإستعانة ، شبه الكاملة، بما يُنتج في الغرب من مادة للأطفال، خصوصاً أفلام الكارتون والمسلسلات والبرامج المنوعة.
إن عصر الصورة، الذي نعيشه منذ بضعة عقود، والذي يتسارع التقدم والتطور فيه، يتطلب مواكبة متلاحقة، وسعياً دائباً للتواصل واللحاق به، وقد سعت البلدان العربية عموماً، أو معظمها على أقل تقدير، للتواصل مع التطور التقني الحاصل في ميدان الإعلام المرئي، فإنطلقت عشرات الفضائيات العربية الحكومية والخاصة، العامة والمتخصصة، ولكن لو تفحصنا مضمون ما تبثه هذه الفضائيات للطفل العربي، وزمن البث الخاص بالطفل نسبة للزمن العام لبث الفضائية، لوجدنا فرقاً شاسعاً بين الواقع والطموح، فمعظم الفضائيات العربية لا تزال تعتمد في الرئيسي والغالب من برامجها الموجهة للطفل على المواد المستوردة من الغرب، بكل ما تحمله هذه المواد من مضامين مختلفة وثقافة أخرى، ربما تبدو غريبة على طفلنا العربي وموروثه وحاجاته وإهتماماته.

الفضائيات العربية الخاصة بالأطفال

تقول الإحصائيات الرسمية أن الأطفال يقضون 22 ألف ساعة، منذ ولادتهم حتى إكمالهم المرحلة الثانوية، أمام التلفزيون، مقابل 11 ألف ساعة فقط في غرف الدراسة! بمعنى أن الطفل العربي أصبح ملتصقاً، ولساعات يومياً، بجهاز التلفزيون ولم يعد ملتصقاً بالكتاب!، ولكن لو تمعنا في هذا الوقت الطويل الذي يمضيه الطفل أمام هذا الجهاز، لوجدنا أنه، وفي أوقات كثيرة لا يتابع أشياءاً تخصه، أو معدة له، بل يتابع برامج ومسلسلات معدة للكبار، وهذا يولد مع مرور الزمن إنفصاماً في شخصية الطفل، فما يراه لا يتطابق مع مشاعره وأحاسيسه وعمره ومدارك?، ولا يلبي حاجاته ورغباته، ولذلك يمكن أن نفسر ظاهرة فرق الآطفال التي تقلد الكبار في موسيقاهم ولباسهم وحركاتهم ، وهي في الجوهر ظاهرة مفتعلة وغير أصيلة.
إن الطفل العربي بحاجة لبناء عقله وترشيد سلوكه ورعاية صحته، أي أن حاجات الطفل جسدية ونفسية وإجتماعية، ولذلك تنجح الرسالة الإعلامية الموجهة للأطفال إذا كانت موجهة لشؤونهم وتدخل في دائرة إهتماماتهم، خصوصاً إذا إعتمدت هذه الرسالة الوضوح الكامل والصراحة والصدق والموضوعية، لأن ذلك ما يفيد ألأطفال وينفعهم، ولكن لو تأملنا في قنواتنا الفضائية العربية الخاصة بالأطفال، وببرامج الأطفال في القنوات العامة ، نجد بوناً شاسعاً بين هذه الأهداف النبيلة وواقع معظم ما تبثه هذه القنوات من برامج وما تقدمه من ساعات بث، فالأطفال العرب يعانون من جفاف في القنوات والبرامج الخاصة بهم، لأنها عموماً لا تنهج منهجاً تربوياً وثقافياً سليماً يراعي خصوصية الطفل العربي وتأريخه وبيئته وعاداته وتقاليده، فمنهج هذه القنوات غير واضح، وهدفها غير محدد، وتخطيطها غير معلن، ولأنها جزء من الإعلام العربي عموماً المعروف بكونه إعلام متلق، فهي متلقية أيضاً!
تقول الدكتورة "أميمة جادو" وهي خبيرة نفسية في شؤون الأطفال:"علينا أن نحول أدوات الإعلام في المجتمع لخدمة المستقبل وليس الى تدميره، ولعل من أبرز أهداف الإعلام مساعدة الفرد على تكييف نفسه في الحياة، فوسائل الإعلام قديماً وحديثاً هي المدرسة العامة التي تواصل عمل المدرسة التقليدية الإبتدائية والإعدادية"، ولكن حين نبحث في العمق بين ما تقوله الدكتورة أميمة وواقع فضائيات الاطفال نجد البون الشاسع بين النظرتين، فالإدعاء الظاهر في الفضائيات هو توعية وتوجيه الأطفال، ولكن الحقيقة هي كم هائل من المواد الإعلانية التي تروج لملابس وأجهزة ومشروبات وأغذية ومجلات والعاب، وجميعها تعزز النزعة الإستهلاكية لدى الأطفال، وتغرس فيهم حب التملك والأنانية وحب الذات، يقول الدكتور علاء البيروتي، وهو إستشاري الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى الرشاد :"هذه الإعلانات تنتج جيلاً إستهلاكياً وتنمي النزعة الإستهلاكية غير المبررة لدى الأطفال"، ووصف النزعة الإستهلاكية بأنها" مرض وسواسي تجعل لدى الشخص أفكاراً تسلطية في إقتناء الأشياء سواء كانت ضرورية أو غير ضرورية وبذلك تصبح جزءاً من شخصية الطفل"، كما أن بعض هذه القنوات لجأت لمسابقات الأطفال التي ت?تمد على إستخدام الموبايل، لزيادة أرباحها ولإستغلال أكثر، للأطفال وعوائلهم.

 قنوات الاطفال
والآن سنستعرض بعض أشهر القنوات العربية الخاصة بالأطفال وهي:
1 _ قناة الجزيرة للأطفال: بدأت هذه القناة بثها عام 2005، وهي تابعة لمؤسسة الجزيرة التي لديها مجموعة قنوات فضائية عامة ومتخصصة ومركزها الدوحة في قطر، برامج هذه القناة الخاصة بالأطفال منتجة من قبلها ومشتراة من جهات مختلفة، ونسبة المواد المنتجة من قبلها تصل الى 40 بالمئة، وموضوعاتها تعليمية وترفيهية وتفاعلية متنوعة ، وهي تخاطب الأطفال العرب من سن 3 سنوات حتى 15 سنة.
تعرض هذه القناة يومياً برامج جديدة لمدة 6 ساعات، من أصل 18 ساعة بث يومي و7 ساعات من أصل 19 ساعة خلال عطلة الأسبوع، وتبث على أربعة أقمار صناعية، وهي مفتوحة، أي غير مشفرة مما يتيح مشاهدتها في جميع أنحاء الدول العربية وأوربا. ولها خمس مكاتب إقليمية في القاهرة وبيروت وعمان والرباط وباريس، عدا مقرها الرئيسي في الدوحة، وبالرغم من الجهد الذي تحاول أن تبذله هذه القناة في التميز والتركيز على الثقافة العربية والإسلامية الخاصة بمجتمعنا، فقد إبتدعت القناة أول برنامج حواري عربي يتحاور من خلاله الأطفال العرب، ويعبرون عن أرائهم وأفكارهم ، كما أن القناة أنتجت أول المجلات العربية التربوية التي تغطي مواضيع علمية وصحية وسياسية وثقافية ومعلوماتية، أقول رغم كل هذا الجهد الخاص إلا أنها تظل محكومة بالسائد، وبما ينتج في الغرب من مادة متنوعة وهائلة ?وجهة للأطفال، وهي عموماً قناة لا تعتمد على الأفلام وبرامج الكارتون فنسبتها ضئيلة في البث!.
2 _ قناة المجد: وهي قناة سعودية ومشفرة، إذ لا يمكن الوصول إليها إلا عبر إشتراك، مما يحرم ملايين الأطفال العرب من متابعتها ومشاهدتها، وهو دليل على الربحية التي تقف وراء نوايا أصحابها وليس الهدف التربوي والتعليمي، وهذه القناة عموماً موجهة لأسرة الطفل وليس للطفل نفسه!، أي موجهة لأولياء أمور الأطفال «للوالدين»! لكسبهم وإرضائهم، فهي تتظاهر بالحكمة والتدين وتعرض أفلاماً خالية من الموسيقى ، بل الغريب أنها تستنسخ أناشيد لها ألحان معروفة ومشهورة، وتضع لها نصوصاً أخرى!، نصوص تتسم بالمحافظة والتزمت!، كما تتميز بقلة م? تعرضه من أفلام وخصوصاً أفلام الكارتون «الخالية من الموسيقى»!، والطريف أن القناة تبالغ في مدح ولاة الأمر «أي الحكام» الى درجة الغلو!.
3 _ قناة سبيستون: ربما يمكن إعتبار هذه القناة الأكثر شعبية بين الأطفال العرب، لما تقدمه من مادة مشوقة ومنوعة، وهي تعتمد اللغة العربية الفصحى والسليمة في موادها، وتبث 24 ساعة في اليوم ، وهي مثل غيرها من القنوات تعتمد بشكل رئيسي على المواد المنتجة في الغرب، وهي غير مشفرة ويمكن الوصول لها من قبل جميع الأطفال.
4 _ قناة أم بي سي 3 : وهي تابعة لمجموعة أم بي سي الخاصة والسعودية التمويل، ويمكن إعتبارها ركضاً وتسابقاً في ميدان الأطفال هذه المرة، مع قناة الجزيرة القطرية، التي أطلقت الجزيرة للأطفال، موادها عموماً وبشكل رئيسي تعتمد على المواد المشتراة من الغرب من أفلام كارتون ومسلسلات وبرامج، وهي لا تقدم أثراً ملموساً في السياسة الإعلامية الخاصة الموجهة للأطفال العرب.
ويمكن القول بإختصار أن القنوات الفضائية الخاصة بالأطفال العرب قليلة من حيث عددها وفقيرة وربما سيئة من حيث محتواها وما تقدمه من مادة وبرامج، ويعود السبب في ذلك بشكل رئيسي لمكانة الطفل وأهميته في الدول العربية فالكبار، في مجتمعاتنا العربية عموماً ينظرون بإستهانة، وربما بدونية للأطفال، ويعتبرونهم جهلة وبحاجة للغذاء واللباس فقط، أما إشباع حاجاتهم الروحية والنفسية والجمالية فهو ترف وحاجة كمالية! وهذا ينعكس على نظرة الحكومات والجهات التي تشرف على القنوات الخاصة بالأطفال فهي قنوات لا تحصل على الدعم المادي الكافي? كما أن مصادرها الإعلامية محدودة ، خصوصاً إذا علمنا أن تكاليف إنتاج برامج الأطفال باهظة، خصوصا تلك البرامج الجماهيرية التي تشد الأطفال، نحن بحاجة لفضائيات غير مستنسخة ، فضائيات ذات إنتاج راقي يشد الطفل العربي ويهذب ذوقه، فضائيات تشجع الكتاب والمبدعين العرب على كتابة وإنتاج المسلسلات ورسوم الأطفال الهادفة، الطفل العربي بحاجة لمن يربطه بالواقع وبالوسط الذي يعيش فيه لا من يحلق به في الفضاء وفي عالم الخيال.

كيف نحقق إعلاماً وصحافة تناسب طفلنا العربي؟

لقد تحدثنا عن المجلات والصحف والفضائيات الخاصة بالأطفال في الوطن العربي، ولكن الإعلام الموجه للأطفال لا يقتصر على هذه الميادين، فالراديو كان أيضاً، ولفترة ليست بالقصيرة مجالاً، ولو محدوداً، يطل منه الأطفال على عالم المعرفة والقصة والمعلومة والطريفة.. الخ وقد أشرت لتجربتي الشخصية مع برنامج «مرحباً يا أطفال» لعمو زكي في ألإذاعة العراقية أواخر خمسينات القرن الماضي، وبالتأكيد لم يكن ذاك البرنامج هو البرنامج الوحيد في الإذاعات العربية فكل إذاعة، أو معظمها على الأقل، كانت تخصص مساحة، ولو ضئيلة للأطفال، ولكن ربما?الدراسات حول هذا الموضوع، والتوثيق في هذا المجال قليل وضعيف!
إن الثورة التكنولوجية الهائلة التي نعيشها الآن، أوجدت مجالاً أخطر، وبمقاييس غير معقولة، لإعلام متطور جديد، هو ألإعلام الألكتروني ، وهذا الإعلام مد أذرعه لكل الفئات العمرية وبدون حدود أو حواجز، ومن بين من شملهم كان الأطفال، فهناك غرف المحادثة المتنوعة المنتشرة على الشبكة العنكبوتية، وفي قدرتها صيد من تشاء بما تقدمه من مادة جذابة وموضوعات مغرية، وهناك مختلف الألعاب الألكترونية والمواقع الخاصة بالفديو والسينما والأغاني والموسيقى والجنس والصور، ووراء الكثير من هذه المواقع جمعيات وجهات ربما لها أهدافها في حرف و?شويه ألأطفال وتوجيههم الوجهة التي تريدها هذه الجهات!، إن تحكم العائلة بما يراه الطفل في التلفزيون ممكن الى حدود، ولكن التحكم بما يستعمله الطفل في جهاز الحاسوب أصعب وأشق وربما مستحيل، فالجهاز يمكن حمله لأي مكان ورؤيته وإستخدامه في أي وقت، لذلك فإن الإنتباه للكومبيوتر ومحاولة التواصل معه والإستفاده من إمكانياته، تبرز كمهمة ملحة يجب الإنتباه لها من قبل الحكومات والجهات الحريصة على إعلام مثمر وفعال للطفل العربي، من خلال إنشاء غرف صوتية مشوقة للأطفال، يستطيعون من خلالها التعبير عن أفكارهم ومناقشة القضايا التي ت?صهم، كما أن هناك ضرورة لإيجاد موقع ألكتروني عربي خاص بالأطفال، يتمتع بنفس مواصفات موقع «إيلاف» مثلاً، يديره مجموعة من الخبراء العرب في التربية وعلم النفس والثقافة والأدب والفن، يتضمن القصص والأفلام الهادفة والمسرحيات والكتابات والمسلسلات والمواد العلمية والثقافية وكل ما يخص عالم الطفل!، ويمكن أن تقف الجامعة العربية أو من يمثلها خلف هكذا مشروع، وأن ترافق تأسيس هذا المشروع، مبادرة كل دولة عربية أو الجامعة العربية لتخصيص جائزة لإعلام الطفل تمنح سنوياً لأبرز عمل أدبي أو فني أو فكري يصب في مصلحة إعلام الطفل، وم? المهم أيضاً تأسيس رابطة للإعلاميين العاملين في مجال الأطفال لتوحيد عملهم وبرمجة أهدافهم وأعمالهم، والإهتمام بمسرح الطفل بإعتباره ثقافة وإعلام، وأعني بمسرح الطفل المقدم من الكبار للأطفال ومن الأطفال للأطفال، والمتضمن للأفكار البسيطة ولكن بتشويق وإبهار، حيث تشيع روح البهجة والمرح من خلال الموسيقى والرقص والحركات المعبرة.

الخاتمة

ربما تبدو الصورة المرسومة في هذه المادة عن إعلام وصحافة الأطفال في الوطن العربي سوداء أو رمادية ، الى حد ما ، لكني أرى أن المستقبل القريب ربما سيعدل كثيراً ويخفف من قتامة ما رسمته، فهناك عشرات الخبراء والأدباء والفنانين ورجال التربية شاعرون بفداحة ما يعيشه هذا الميدان من إهمال وقلة إهتمام، وهم يسعون، كل من موقعه لتغيير هذه الصورة، والخطوات قد بدأت في أكثر من موقع ومكان، فهناك أخبار شبه مؤكدة عن فضائيات جديدة، خاصة بالأطفال ستولد خلال الفترة القريبة القادمة في الرياض والدوحة والبحرين وربما في غيرها من المنا?ق، كما قرأت عن مشروع فردي قام به الكاتب السعودي «ماضي الماضي» في تأسيس أكبر مشروع متكامل للطفل عنوانه «عالم فرناس» وقد إنطلق في الرياض، وهو يصدر مجلة أسبوعية للأطفال، وعدد شهري يضم ألأعداد ألأربعة من المجلة، بالإضافة لثلاث مجلات متخصصة هي «ريما وريماز» وهي للبنات ومجلة «قابس» للفتيان ومجلة «غراس» للصغار دون سن المدرسة، بالإضافة لمجلة أسبوعية بإسم «جمان» كما أنتج المشروع مسلسلاً تلفزيونياً من ثلاثين حلقة عنوانه «حكايات من عالم فرناس»، بالإضافة لبرامج تعليمية مختلفة و300 أغنية خاصة بالأطفال وإبتدع 100 شخصي? جديدة!.
إن جهد شخص عربي واحد فقط أثمر كل هذه النتائج يدعونا للتفاؤل بأن المستقبل القريب حتماً سيوسع من دائرة المهتمين بعالم الطفل وما يحتاجه ليكون طفلنا العربي أهلاً للإنسجام مع العصر الحديث، عصر التطورات المتسارعة والتقدم الهائل.