ادب وفن

على مائدة القرن الحادي والعشرين.. ماذا سيقدم العرب؟! / سوزان إبراهيم*

تفتقت بنات أفكار "سيمون انهولت" عن ميزان أو مؤشر يزين به الدول, فاخترع ماركة جديدة لتصنيف الدول عام 2005, وصار يعرف باسم "مؤشر ماركات الدول" ويريد انهولت من ذلك- حسب قوله- قياس مدى مساهمة الدول- موضوع دراساته على 125 دولة- للكوكب والبشر, فصار التصنيف وفق ذلك يقسم دول العالم إلى دول صالحة أو مفيدة, ودول غير صالحة.
ولأن العالم يشكو أوجاعاً ومشاكل كثيرة- منها التغير المناخي والاتجار بالمخدرات والسلاح والبشر, والأوبئة والفقر وعدم المساواة والنقص في الماء والغذاء وتأذي البيئة, وانتهاك حقوق الإنسان.. وهي مشاكل عالمية تتحدى الجميع دون استثناء, فكيف تساهم كل دولة في تخفيف أوجاع الكون والإنسانية!
يبدو أن "انهولت" أعطى كل بلد في العالم ماركة معينة من خلال مراعاته لست نقاط هي: السياسة الخارجية والداخلية للبلد، الثقافة والتراث، الشعب، السياحة، ماركات الصادرات، الاستثمار والهجرة. ووفق دراسة أخرى كانت النقاط سبعاً وهي: التكنولوجيا، والثقافة والسلام والأمن الدوليين، النظام العالمي، مناخ الكوكب، والرخاء والمساواة، وصحة ورفاه البشرية.
وتضمنت دراساته كذلك استقصاءات بشأن حرية الصحافة، استضافة اللاجئين، كمية الأسلحة المصدرة وعدد الحائزين على جائزة نوبل. هذا المؤشر مازال مدار نقاش وبحث ولم يصدر في كتاب حتى الآن وكل ما يتوفر عنه معلومات على الشبكة العنكبوتية فقط.
إذاً الدولة الصالحة وفق "مؤشر ماركات الدول" هذا هي التي تساهم في تقديم شيء للإنسانية وتجعل العالم الذي نعيش فيه مكاناً أفضل وأكثر عدلاً.
لن ندخل بطبيعة الحال في المراكز التي حازتها الدول ال 125 موضوع الدراسة, مع أن ايرلندا حلت أولاً.. ولكن وفق النقاط الست أو السبع التي تُقيّم وفقها الدول.. كم دولة صالحة في العالم العربي؟
ما ماركة بلدي سورية الآن والتي تحل اليوم أولاً في عداد الدول الأقل أماناً وسلاماً والأكثر خطورة على الحياة!
ما ماركة الدول العربية حسب إسهاماتها في العلوم والاقتصاد والتكنولوجيا ومكافحة الاتجار بالمخدرات والسلاح ومدى فعاليتها في وقف التدهور المناخي.. ما ماركة الدول العربية في مجال احترام حقوق الإنسان وحرية الصحافة واستقبال النازحين... ما ماركة هذه الدول وفقاً لمعدلات الهجرة؟!
ذات مرة تقدم الشاعر أدونيس بفرضية تقول: لو أن دول العالم اجتمعت حول طاولة مستديرة لتقدم كل دولة مساهمتها في حاضر ومستقبل الكون والبشرية ماذا سيقدم العرب؟
حينها افترض أن العرب إن بقوا على ما كانوا عليه, فسوف ينقرضون بالمعنى الحضاري, هذا وفق فرضية أدونيس, وأعتقد أنهم دول غير صالحة وفق مؤشر انهولت أيضاً!
بعيداً عن نظرية المؤامرة- إذ كثيراً ما يحلو لنا الاتكاء عليها لتبرير تقصير أو عدم قدرة على حل, دون نفي وجودها- ما الذي قدمته الدول العربية منفردة أو مجتمعة للكون من علم وتقنية وعدالة اجتماعية, ونسبة الأمية مازالت مرتفعة جداً, وأن العربي يقرأ في العام الواحد عشر دقائق فقط, ومازالت المرأة تناضل بقوة في دول عدة للحصول على أبسط حقوقها إذ مازالت تُعامل كمواطن درجة ثانية أو كعبءٍ اجتماعي وأخلاقي على شرف العربي العتيد.
لن نتحدث عن الحريات على مختلف مستوياتها, وبعض هذه الدول ليست أكثر من إقطاعات أو مزارع لعائلات أو أفراد!
ماذا عن الاتجار بالبشر والمخدرات والسلاح؟
لا يمكن أن يكون هناك وضع أسوأ مما تمر به بعض الدول العربية- ومنها سورية للأسف- في هذا المجال, فقد تحكمت الفوضى بكل شيء وبرع تجار الحروب باستثمار كل شيء قابل للبيع والشراء حتى حرية الناس وحياتهم ولقمة عيشهم وأعراضهم.
ما الفائدة التي ترجى من هذه الملايين من العرب؟!
إن كنا مجرد مستهلكي حضارة, وللأسف مدمري حضارة وأخلاق في بعض الأحيان, وإن كنا آباراً للتخلف والجهل والتطرف كما بتنا اليوم أكثر من أي وقت مضى, فأي مستقبل ننتظر!
عانينا كعرب وكمشرقيين من ظلم كبير عبر تاريخ الاستشراق, إذ أطّرونا في صورة نمطية للجهل والتخلف فكنا عبارة عن صحراء وجمل وخيمة وخنجر غدر, وأطّروا نساءنا في مخادع ألف ليلة وليلة, وكنا مصدر السحر والشعوذة والجنس والشذوذ في كثير من الأحيان, ولكن ما الذي فعله العرب حقيقة لرد هذه التهم؟!
كان الغرب ذكياً دوماً في التعامل معنا, ولطالما راهن على عدوانية في أعماقنا, فكان يستنفر كل هذه العدوانية والهمجية منذ أمد عبر وسائل عدة منها رسوم كاريكاتورية مسيئة لشخصيات دينية أو أفلام مسيئة, فيندفع الرعاع بسيوف وخناجر وحرائق وتدمير ومفخخات للرد على تلك الفخاخ التي أوقعونا فيها...
اليوم تكتمل صورتنا كما أرادها الغرب كإرهابيين- أعني العرب المسلمين بخاصة- على يد جماعات تنسب إلينا وإلى ديننا.. أي بلاد نحن يا عرب؟!
أظن أننا سنحظى بماركة: "دول غير صالحة للعيش في القرن الحادي والعشرين"!.
ـــــــــــــــــــــــ
*شاعرة وكاتبة من سوريا