ادب وفن

الجواهري في بعض مقامته المصرية / كتابة وتوثيق:رواء الجصاني

عبر العديد من القصائد الشهيرة التي تناولت رؤى، وشؤوناً وهموماً ثقافية وسياسية، والزيارات الخاصة والرسمية وغيرها، راح "السجل المصري" للجواهري الكبير، يتسع ويتشعب إلى أكثر من محور، ومكان، وزمان. وقد تفلح مثل هذه السطور العجلى في تأشير بعض المحطات الأكثر أهمية في ذلك "السجل".
لقد جاءت قصيدة الجواهري في رثاء الشاعر الكبير احمد شوقي عام 1932 الأبرز في البدايات، ثم تلتها عديدات أخر ومن بينها عن شعب مصر و"النيل الزاخر" و"المسلة الزاهرة عام 1951 :
يا مصرُ.. مصرَ الشعبِ: لا غاياتُه، تَفنى، ولا خطواتُه تتقهقرُ
وكذلك لاميته الفريدة في التضامن مع "بور سعيد" وأهلها ، وكل مصر، إبان العدوان الثلاثي عليها عام 1956..حين قال هادرا:
كنانة الله.. اسلمي، إنّ المُنى، دونَكِ لغوٌ.. والحياةُ باطلُ
وإذ توشك الحرب أن تندلع مع إسرائيل في حزيران 1967ينتفض الجواهري مطالباً ومسانداً للزعيم المصري - العربي جمال عبد الناصر، لكي يدع "الطوارق كالأتون تحتدم"، وأن يأخذ مكانه منها "غير مكترث دهدى به الموج، أو علت به القمم"
ثم كتب الشاعر الكبير مرة أخرى عن الزعيم الكبير، في ذكرى رحيله الأولى عام 1971 عصماء أخرى، لا ليرثي، إذ "الخالدون أحياء" كما يرى الجواهري في القصيدة المعنية، بل سجل مواقف وآراء في الحياة وفي حاضر الأمة، وآفاق مستقبلها:
يا مصرُ، يا حُلمَ المشارق كلّها، مذ عانت الأحلام والأهواءا
أما مع كتاب ومثقفي مصر، فقد كانت للشاعر الخالد علاقات متميزة وعديدة، ومن أقدمها وأهمها مع عميد الأدب العربي د. طه حسين الذي احتفى بالجواهري في القاهرة مطلع الخمسينات... وقد كان ضيفاً على مصر "وضيف طه ضيفها" حسبما تشير الرائية الشهيرة عام 1951. وعلى ذلك المنوال، استمرت الامتدادات مع بلاد النيل، والمواقف منها، وداً وإعجاباً وامتناناً، مع عتب ودلال أحياناً، وسجالات وحالات ثائرة في أحيان أخرى، كما في الميمية السياسية الغاضبة عام 1963، والرائية "الثقافية" عام 1974 ومطلعها:
آليتُ أُبرِدُ حَـرّ جمري، وأديلُ من أمر بخمرِ
وأقايضُ البَلوى بأيّةِ بسمةٍ عن أيّ ثغر
وإذ يفكر الشاعر الكبير مجدداً في أوائل السبعينات بالإقامة في القاهرة، ويعدل عن ذلك في آخر لحظة لأسباب لها وقائع خاصة، جاءت آخر زياراته لها، ولمصر، وهو في التسعينات من عمره، فحلّ ضيفاً أولَّ على احتفالات مئوية "الهلال" التي صادفت في العام 1992 وقد لقي حفاوة ثقافية ورسمية رفيعة، تقديراً واعتزازاً بشاعر العربية الأكبر، وعبقريته المتفردة.