ادب وفن

ماركس وجدلية المسرح / زياد أبو عبسي*

لم يكن دور كارل ماركس دوراً عادياً في تاريخ الفلسفة، بل كان دوره مؤثراً وناقلاً إياها من "التفسير" إلى "التغيير"، كما أتى محورياً في تاريخ الفكر البشري بشكل عام. لقد أوقد مفهوم الاقتصاد السياسي وأثر على مفهوم الدولة وكان له دور فعال جداً في شتى ميادين المعرفة وفي سوسيولوجيا الأدب وفن المسرح. يمكننا في هذا المقال أن نفسر مفهوم جدلية الفن بشكل عام وفهم مفهوم الجدلية بحد ذاته لما له من أثر، وتأثير، على تقويم الفكر البشري وشحذ الفكر العلمي الذي صار طاغياً في أيامنا هذه
كثيرة هي الكتابات التي صدرت في العالم حول فكر كارل ماركس وحول الفن بعامة، والمسرح بخاصة.
تكمن بذرة هذا الفكر في ما كتبه كارل ماركس في "المدخل إلى الاقتصاد السياسي". بعض من السطور لكنها تكشف بين طياتها ما يؤثر وما يغني. ولعل ما يلفت اليه ماركس في كلماته ما يدل على أمرين. أولهما، أن الفن يُعبر عن طبائع العصور، وثانيهما، أن الفن يتغير اذ ما تغيرت طبائع العصور. يضعنا ماركس هنا امام جدليتين. الأولى، هي جدلية الحاضر، اما الثانية، فهي جدلية التاريخ، والتاريخ يتغير وفيه أكثر من حاضر.
الحاضر هنا هو الحقبة الزمنية التي يحدث فيها ما هو مختلف، ولو جزئيا، عن الحقبات الأخرى. يضعنا ماركس أمام حقبتين في مدخله إلى الاقتصاد السياسي، وهما الحقبة الكلاسيكية اليونانية، والثانية هي حقبة الجزء الثاني من التاسع عشر. يفيدنا ماركس بأن المرتكزات الفكرية المؤسسة للإبداع الفني مختلفة في الحالين. لذلك، تأتي النتائج الفكرية مختلفة حتماً وبالضرورة.
في الحقبة الإغريقية أتى العمل المسرحي موجهاً ومدفوعاً من الاعتقادات الاجتماعية السائدة في بلاد الإغريق في ذلك الوقت. اعتقد الإغريق أن ما يحصل في الأرض ناتج عن الإرادة الإلهية. هنا أُقدم بعض التفسيرات. هذه الإرادة تُعبر عن رضاها أو عن عدم رضاها من الناس. في مسرحية "اوديب الملك". تبدأ المسرحية بتذمر الناس من الجفاف الحاصل وأن الأرض جدباء لا تنتج الزرع. يعزو المجتمع الإغريقي هذا الأمر إلى أن الآلهة غير راضية عن الملك لأنه خالف إرادتها. يظهر فيما بعد أن اوديب الملك فعلا خالف الإرادة الإلهية ظناً منه أنه بإمكان? أن يقرر مصيره بحكمته. إنه لا يفلح، لذلك صبت الآلهة جام غضبها على مجتمع ذلك الملك بأسره.
أما النصف الثاني من القرن التاسع عشر هو زمن متغير. يشير ماركس إلى أن زمن التلغراف والقطارات والثورة الصناعية لا يمكن للإنسان إلا أن يراعي هذا المشهد الاجتماعي العام. إن الفكر الإنساني مرتبط حتما بما يحيط به من تقدم في الصناعة والمواصلات والاتصالات. هذا التقدم هو الركيزة الفكرية التي تُحدد وتحكم سلوك البشر وأفكارهم في الحقبة حيث يعيشون، لذلك فإن الأدب المسرحي، والمتميز بأنه حدث، يأتي نتيجة مرتكزات العصر الخاصة بها.
إن الأعمال الفنية وخاصة الأدبية والمسرحية تأتي مُعبرة عن طبع العصر الذي نشأت منه. في هذا تأكيد على أن الإبداع مربوط بمعطيات منظورة، يختزنها العمل ويحللها ويستنتج منها فينتج أعماله. وبهذا فالعمل الأدبي، والمسرحي، يدخل في جدلية ماركس ليصارع للتغيير وليس للتفسير، أو لرسم عالم طوباي يُفقد الأدب والمسرح منطق التحليل والاستنتاج لإنتاج أعمال لمجرد الإنتاج.
ـــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني