ادب وفن

التفاعل بين الموسيقى الغربية والشرقية / عادل الهلالي

طوّر الأوربيون في عصر النهضة العديد من الآلات العربية التقليدية التي انتقلت إليهم عن طريق الأندلس فظهر العود الأوربي والماندولين من العود الشرقي والثلاثة مأخوذة أصلا من العود الفرعوني القديم.
وظهر الهارسبيورد ثم البيانو من القانون وقد أخذ الثلاثة بالإضافة إلى آلة "الهارب" عن آلة الهارب المصري الفرعوني، بالإضافة إلى الآلات المصرية الأخرى في رسومات البرديات القديمة واللوحات المنقوشة على جدران آثار مصر. كما نجد لفكرة الكمان والجلو والكونترباص وكلها آلات وترية مكبرة عن بعضها في الربابة المصرية القديمة ذات الوتر الواحد الذي يسمح بإنشاء مناطق صوتية جديدة على طول الوتر.
وكذلك برع الأوربيون كثيرا بتطوير الآلات الهوائية فتعددت أشكالها ونغماتها ووضعوا لها مواصفات ثابتة ولكن لم تشهد الموسيقى العربية أي تطوير يذكر.. وكل ما نشاهده الآن في الفرق الأوربية رغم انه مأخوذ من الناي المصري القديم المصنوع من أعواد الغاب إلا أن التطوير الحاصل جعل منها عائلات بأكملها كل منها ذات صبغة وعلى سبيل المثال آلات النفخ الخشبية والآلات النحاسية.
كما تأثرت أوربا بموسيقى الشرق.. أيضا نقل الشرق بدوره ما طوره الأوربيون خلال قرون طويلة الى موسيقاهم وتعددت أشكال هذا النقل من استخدام الآلات الحديثة إلى إدخال أساليب حديثة في التأليف الموسيقي واعتماد التعابير كأداة أساسية في التأليف وهو ما افتقدته الموسيقى العربية القديمة ولكن هذا النقل لم يقترن بتطوير تقني كما فعل الأوربيون بموسيقى الشرق وإنما ظل في دائرة النقل فجاءت الآلات كما هي بمواصفاتها.. وربما يقال إن صناعة الآلات تحتاج الى صناع مهرة وذوي أفكار لم تسمح ظروف المنطقة التقنية بظهورهم لكننا نجد أن الموسيقيين الأوربيين كانوا هم الرواد في هذا.
وقد بلغ اهتمامهم حد أن الموسيقي كان يتخيل صوتاً معيناً لم تصدره آلة من قبل فيتعمد إلى استخدام مهارات الأصابع إلى أن يقنعه بفكرة الصوت الجديد فتظهر آلة جديدة للوجود يستعملها في سمفونية جديدة تضيف بعدا تقنيا إلى ما يقدمه بينما يكون هدفه الأساس التعبير بالصوت الموسيقي. وهناك الآلات العديدة يرجع الفضل في ظهورها الى الموسيقيين أنفسهم مما يؤكد الدور الأساس للموسيقيين في التطوير.. بينما دخلت على موسيقى الغرب في العصر الحديث تقنيات بالغة التعقيد هي نتاج تراكمات وأفكار لكنها سريعة التطور والتجديد ويساعد على انتشارها شركات عملاقة ونجد أن الشرق لا يجاري هذه النهضة إلا في استيراد التقنية كما هي وربما لن يستطيع الشرقيون، إضافة أي شيء في التقنيات بسبب الفجوة التكنولوجية الحالية بين الشرق والغرب.. ولكن تطورا هاما قد حدث ولو انه ادخل لاعتبارات تجارية وهو اخضاع الآلات الحديثة كالاورغن لأداء المقامات الشرقية التي لا يستعملها الغرب ولا يعرفون عنها شيئا. وقد تم ذلك باستحداث تقنيات بسيطة تفتح المجال لأداء ربع الدرجة الموسيقية "ربع التون...الكار" غير الموجودة في الآلات الغربية التي تعتمد مقاماتها على استخدام الدرجة الكاملة ونصف الدرجة فقط. وقد تم ذلك لأول مرة في سبعينيات القرن العشرين في معامل الشركات اليابانية التي تجد التسويق لاحتياجات الشرق وهذا التطور يحسب للطرفين على اية حال..