ادب وفن

الشاعر نجم خطاوي ... علينا أن نشيع ثقافة الثقة والمقاومة والتفاؤل

طريق الشعب
منذ إقتلعه العنف الفاشي، من مدينته الوادعة، المستلقية على ضفاف دجلة الخالد، وأجبره على أن يجوب جبال كردستان وأصقاع المنافي الموحشة، حمل الشاعر نجم خطاوي عطر الطفولة وأحلام الصبا، وطناً يؤطره القلب، فيتدفق شعراً وعطاءً وعناداً أكبر على التواصل، كي يرمم ما تهشم من مرايا، وكي يبصر في لوح البلور المنثور الرؤى المتعددة التي طالما إتضحت، بتلاقحها، إجابات شافية لما يشهره الصراع الأزلي بين العتمة ومخيض الفجر من أسئلة وصعاب. في العاصمة السويدية (إستوكهولم) حيث يقيم حالياً ويعمل في المركز الثقافي العراقي، كان لنا معه هذا اللقاء السريع:
لنشاطك الإبداعي ميادين متعددة، من شاعر إمتلك بمنجزه لغته الخاصة، لمنّظم ساهم في بعث الحياة الثقافية للجالية العراقية، لناشط
مدني من أجل عراق أبهى، هلا حدثتنا عن أخر موضوع إهتممتم به في هذه المجالات أو ربما لا تزالون منشغلين به؟
أعبر عن شكري وامتناني لجريدة "طريق الشعب" على اهتمامها المتواصل بقضية الثقافة والمثقفين، وشعوري هذا يعود بي الى تلك الايام من سبعينات القرن الفائت، حيث أدين بالكثير لصفحات الثقافة في طريق الشعب والفكر الجديد والثقافة الجديدة، في أنها كانت الينبوع الصافي الذي استسقيت منه فيض وثرى ثقافتي الفكرية والمعرفية وفي أجمل صورها الابداعية. كتابة الشعر كانت منذ البداية موضوعا وهاجسا كان الاقرب الي والأقدر على منحي نوعا من السكون الروحي والغبطة في القدرة على التعبير عن ما اريد أن أشير اليه من صور البشاعة والقباحة معاً، وأنا أنشد كلماتي وهي تمجد الحب والسماء والنهر والإنسان والطفولة والحلم. قبل فترة احتفيت بصدور مجموعتي الشعرية الجديدة " نصوص الحكمة" في السويد، وهي تضم مجموعة نصوص كتبتها بطريقة كما يقول الاصدقاء والمهتمون بالشعر بانها تشبه الطريقة التي يكتب بها الشعر الأوربي والتي تبدو أحيانا وكأنها نصوص مترجمة من الشعر الاوربي. أنا لست حكيما بالمعنى الفلسفي للكلمة، بالقدر الذي زعمت بأن تجربتي الانسانية والشعرية يمكن أن تعين الآخرين على أن يفهموا عقد ومنغصات عصر التكنولوجيا بشكل أكثر بساطة. أشعر بالسعادة والفخر في عملي ضمن اسرة المركز الثقافي العراقي في السويد حيث اسعى جاهدا لأن تكون النشاطات والأماسي الثقافية أكثر غنى وإبداعا وأن نتمكن من مد جسور التفاهم بين الثقافة العراقية وثقافة السويد واسكندنافيا.
هل تتابعون المنجز الشعري في عراق اليوم؟
أتابع باستمرار المنجز الشعري العراقي عبر القراءة في الصحف والمجلات والإنترنيت وحضور الاماسي قدر الممكن في أثناء زياراتي للوطن. هناك تطور واضح في الاساليب والرؤى وأشكال من الحرية النسبية قد غلف العديد من الكتابات الشعرية في الوطن بعد 2003، بالرغم من ان الكثير من هذه الكتابات ما زالت حبيسة جغرافيا المشروع التكويني القديم لنصوصنا الشعرية، بمعنى أن الانكماش والعزلة عن المفاهيم الحديثة في الشعر عالميا مازالتاهما الغالبتين هي الغالبة.. أطمح أن نشيد جسورا من المودة والتفاهم والتلاقح والمباراة بين كل مبدعينا في الوطن والخارج. في العام الماضي كان لي شرف المشاركة في مهرجان المتنبي الذي اقيم في مدينتي الكوت، اذ تصادف المهرجان مع وجودي هناك، وسيكون من المفيد أن تتواصل هذه المهرجانات مع الشعراء الموجودين خارج الوطن، وتكون لدينا القدرة في اوربا والخارج على أن نقيم مهرجانات يشارك فيها شعراء من الوطن.
 كيف تنظرون الى النشاط الثقافي العراقي في الغربة؟
مشروع العيش في الغربة خارج الوطن مشروع باهظ الثمن وله تكاليفه الموجعة وخساراته الكثيرة معا مع ما يمنحه من فرص كبيرة وكثيرة في التعلم والتثقف والرقي مع ازدياد التطور الكوني والتكنولوجيا لم يعد يصح الحديث عن خارج وداخل ضمن الأطر القديمة، اذ يمكن للعراقي اليوم أن يتناول فطوره في ستوكهولم ليكون معاً مع أحبته في وطنه الأم يجلس معا حول مائدة العشاء، بمعنى أن أواصر التواصل والتفاهم والتأثير الحضاري والمعرفي أصبحت أكثر امكانية وواقعية، وعلينا البحث في كل مرة عن ما يعيننا ويفيدنا على مساعدة العراق وأهله في التواصل رقيا وحضارة مع الشعوب التي سبقتنا في ذلك. الكثير من العراقيين في الخارج يطمحون ويحلمون ويريدون أن يعود السلام والاستقرار للعراق، وأن تتاح لهم فرصة حقيقية في أن يكونوا مع أبناء وطنهم هناك ليساهموا في اعماره ورقيه، ويبقى حلم الدولة المدنية العصرية الضامنة لحقوق الجميع هو الحلم الأكبر والمرتجى.
 وماذا عن الوطن؟
أخر كتاب قرأته رواية "فرنكشتاين في بغداد" للروائي العراقي "أحمد سعداوي"، وقد انبهرت بها شديدا، واعتبرها أفضل ما كتب في تاريخ القص الروائي العراقي. لا أدري لماذا كنت أتذكر رواية" المعلم ومرغريتا" وأنا اغوص في طلاسم السبك القصصي والقدرة الفائقة لسعداوي في أن يحكي لنا عن مواضيع كبيرة ومعقدة وبلغة بسيطة وأنيقة. هذه الرواية تصلح لأن نضعها ضمن روايات الكلاسيك العراقي القصصي ،ان يستفيد منها كتابنا وأهل القصة والرواية.
ومهما كانت حلكة العتمة، سيأتي الضوء والعافية في نهاية المطاف. المثقفون يتحملون وزرا كبيرا في أن يشيعوا ثقافة الثقة والقدرة والمقاومة والتفاؤل عند الانسان العراقي، وعبر أرقى أشكال التعبير الابداعي. الثقافة لابد لها من أن تخرج من عزلة سنوات الضيم والحيف والانكماش التي غلفت المشهد جراء الماضي وعقده، وأن تمسك (السكان) بدلاً من أن تتركه لمن لا يجيد الابحار ليأخذنا الى مجهول البحار.